كَمَا يَتَفَجَّرُ مَاءُ الْعَيْنِ حِينَ حَفْرِهَا لِفَسَادِ كُرَةِ الْهَوَاءِ الَّتِي هِيَ ضَاغِطَةٌ عَلَى مِيَاهِ الْبِحَارِ وَبِذَلِكَ التَّفْجِيرِ يَعُمُّ الْمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ فَيَهْلِكُ مَا عَلَيْهَا وَيَخْتَلُّ سَطْحُهَا.
وَمَعْنَى: بُعْثِرَتْ: انْقَلَبَ بَاطِنُهَا ظَاهِرَهَا، وَالْبَعْثَرَةُ: الِانْقِلَابُ، يُقَال: بَعْثَرَ الْمَتَاعَ إِذَا قَلَبَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «بَعْثَرَ مُرَكَّبٌ من الْبَعْث مَعَ رَاءٍ ضُمَّتْ إِلَيْهِ» . وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ قِيلَ: إِنَّ بَعْثَرَ مُرَكَّبٌ مِنْ بَعَثَ وَرَاءِ الْإِثَارَةِ كَبَسْمَلَ اهـ، وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنِ السُّهَيْلِيِّ. وَأَنَّ بَعْثَرَ مَنْحُوتٌ مِنْ بَعْثٍ وَإِثَارَةٍ مِثْلَ: بَسْمَلَ، وَحَوْقَلَ، فَيَكُونُ فِي بَعْثَرَ مَعْنَى فِعْلَيْنِ بَعَثَ وَأَثَارَ، أَيْ أَخْرَجَ وَقَلَبَ، فَكَأَنَّهُ قَلْبٌ لِأَجْلِ إِخْرَاجِ مَا فِي الْمَقْلُوبِ.
وَالَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَيِمَّةُ اللُّغَةِ أَنَّ مَعْنَى بَعْثَرَ: قَلَبَ بَعْضَ شَيْءٍ على بعضه.
وبعثرة الْقُبُورُ: حَالَةٌ مِنْ حَالَاتِ الِانْقِلَابِ الْأَرْضِيِّ وَالْخَسْفِ خُصَّتْ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ حَالَاتِ الْأَرْضِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْهَوْلِ بِاسْتِحْضَارِ حَالَةِ الْأَرْضِ وَقَدْ أَلْقَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا مَا كَانَ فِي بَاطِنِ الْمَقَابِرِ مِنْ جُثَثٍ كَامِلَةٍ وَرُفَاتٍ، فَإِنْ كَانَ الْبَعْثُ عَنْ عَدَمٍ كَمَا مَالَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَوْ عَنْ تَفْرِيقٍ كَمَا رَآهُ بَعْضٌ آخَرُ، فَإِنَّ بَعْثَ الْأَجْسَادِ الْكَامِلَةِ يَجُوزُ أَنْ يُخْتَصَّ بِالْبَعْثِ عَنْ تَفْرِيقٍ وَيُخْتَصَّ بَعْثُ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ وَالرِّمَمِ بِالْكَوْنِ عَنْ عَدَمٍ.
وَجُمْلَةُ: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ جَوَابٌ لِمَا فِي إِذَا مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَيَتَنَازَعُ التَّعَلُّقُ بِهِ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنْ كَلِمَاتِ إِذَا الْأَرْبَعِ. وَهَذَا الْعِلْمُ كِنَايَةٌ عَنِ الْحِسَابِ عَلَى مَا قَدَّمَتِ النُّفُوسُ وَأَخَّرَتْ.
وَعِلْمُ النُّفُوسِ بِمَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ يَحْصُلُ بَعْدَ حُصُولِ مَا تَضَمَّنَتْهُ جُمَلُ الشَّرْطِ بِ إِذَا إِذْ لَا يَلْزَمُ فِي رَبْطِ الْمَشْرُوطِ بِشَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ حُصُولُهُ مُقَارِنًا لِحُصُولِ شَرْطِهِ لِأَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ وَأَمَارَاتٌ وَلَيْسَتْ عِلَلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ التَّكْوِيرِ.
صِيغَة الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: انْفَطَرَتْ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَشْبِيهًا لِتَحْقِيقِ وُقُوعِ الْمُسْتَقْبَلِ بِحُصُولِ الشَّيْءِ فِي الْمَاضِي.
وَإِثْبَاتُ الْعِلْمِ لِلنَّاسِ بِمَا قَدَّمُوا وَأَخَّرُوا عِنْدَ حُصُولِ تِلْكَ الشُّرُوطِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute