للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُفَسِّرِينَ، أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ إِنْسَانًا مُعَيَّنًا، وَقَرِينَةُ ذَلِكَ سِيَاقُ الْكَلَامِ مَعَ قَوْلِهِ عَقِبَهُ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ [الانفطار: ٩، ١٠] الْآيَةَ.

وَهَذَا الْعُمُومُ مُرَادٌ بِهِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ بِدَلَالَةِ وُقُوعِهِ عَقِبَ الْإِنْذَارِ بِحُصُولِ الْبَعْثِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ [الانفطار: ٩] فَالْمَعْنَى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ الَّذِي أَنْكَرَ الْبَعْثَ وَلَا يَكُونُ مُنْكِرُ الْبَعْثِ إِلَّا مُشْرِكًا لِأَنَّ إِنْكَارَ الْبَعْثِ وَالشِّرْكَ مُتَلَازِمَانِ يَوْمَئِذٍ فَهُوَ مِنَ الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ الْخُصُوصُ بِالْقَرِينَةِ أَوْ مِنَ الِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ لِأَنَّ جُمْهُورَ المخاطبين فِي ابْتِدَاء الدَّعْوَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ هُمُ الْمُشْرِكُونَ.

وَمَا فِي قَوْلِهِ: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي غَرَّ الْمُشْرِكَ فَحَمَلَهُ عَلَى الْإِشْرَاكِ بِرَبِّهِ وَعَلَى إِنْكَارِ الْبَعْثِ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ: الْإِنْسَانُ هُنَا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ الْمُرَادُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْمُرَادُ أَبُو الْأَشَدِّ بْنُ كَلَدَةَ الْجُمَحِيُّ، وَعَنِ الْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ:

نَزَلَتْ فِي الْأَسْوَدِ بْنِ شَرِيقٍ.

وَالِاسْتِفْهَامُ مَجَازٌ فِي الْإِنْكَارِ وَالتَّعْجِيبِ مِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، أَيْ لَا مُوجِبَ لِلشِّرْكِ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غُرُورًا غَرَّهُ عَنَّا كِنَايَةً عَنْ كَوْنِ الشِّرْكِ لَا يَخْطُرُ بِبَالِ الْعَاقِلِ

إِلَّا أَنْ يغره بِهِ غَار، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْغرُور مَوْجُودا وَيحْتَمل أَنْ لَا يكون غرُورًا.

وَالْغُرُورُ: الْإِطْمَاعُ بِمَا يَتَوَهَّمُهُ الْمَغْرُورُ نَفْعًا وَهُوَ ضُرٌّ، وَفِعْلُهُ قَدْ يُسْنَدُ إِلَى اسْمِ ذَاتِ الْمُطْمَعِ حَقِيقَةً مِثْلَ: وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لُقْمَان: ٣٣] أَوْ مَجَازًا نَحْوَ: وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا [الجاثية: ٣٥] فَإِنَّ الْحَيَاةَ زَمَانُ الْغُرُورِ، وَقَدْ يُسْنَدُ إِلَى اسْمِ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي حَقِيقَةً نَحْوَ: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ [آل عمرَان: ١٩٦] . وَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي أَوْ مَجَازًا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الْأَنْعَام: ١١٢] .

وَيَتَعَدَّى فِعْلُهُ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ يُذْكَرُ مَعَ مَفْعُولِهِ اسْمُ مَا يتَعَلَّق الْغرُور بشؤونه فَيَعَدَّى إِلَيْهِ بِالْبَاءِ، وَمَعْنَى الْبَاءِ فِيهِ الْمُلَابَسَةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لُقْمَان: ٣٣] ،