للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويَنْظُرُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْأَبْرَارِ. وَحُذِفَ مَفْعُولُ يَنْظُرُونَ إِمَّا لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ فِي ضِدِّهِمْ: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: ١٥] وَالتَّقْدِيرُ:

يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ، وَإِمَّا لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ، أَيْ يَنْظُرُونَ كُلَّ مَا يُبْهِجُ نُفُوسَهُمْ ويسرهم بِقَرِينَة مقَام الْوَعْدِ وَالتَّكْرِيمِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تَعْرِفُ بِصِيغَةِ الْخِطَابِ وَنَصْبِ نَضْرَةَ وَهُوَ خِطَابٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ.

أَيْ تَعْرِفُ يَا مَنْ يَرَاهُمْ. وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ «تُعْرَفُ» بِصِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَرَفْعِ «نَضْرَةُ» .

وَمَآلُ الْمَعْنَيَيْنِ وَاحِدٌ إِلَّا أَنَّ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ جَرَتْ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْخَاصَّةِ فِي اسْتِعْمَالِهِ.

وَجَرَتْ قِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِهِ.

وَالْخِطَابُ بِمِثْلِهِ فِي مَقَامِ وَصْفِ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ طَرِيقَةٌ عَرَبِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرٌ ثَالِثٌ عَنِ الْأَبْرارَ أَوْ حَالٌ ثَانِيَةٌ لَهُ.

وَالنَّضْرَةُ: الْبَهْجَةُ وَالْحُسْنُ، وَإِضَافَةُ نَضْرَةَ إِلَى النَّعِيمِ مِنْ إِضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إِلَى السَّبَبِ، أَيِ النَّضْرَةُ وَالْبَهْجَةُ الَّتِي تَكُونُ لِوَجْهِ الْمَسْرُورِ الرَّاضِي إِذْ تَبْدُو عَلَى وَجْهِهِ مَلَامِحُ السُّرُورِ.

وَجُمْلَةُ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ خَبَرٌ رَابِعٌ عَنِ الْأَبْرَارِ أَوْ حَالٌ ثَالِثَةٌ مِنْهُ. وَعَبَّرَ بِ يُسْقَوْنَ دُونَ: يَشْرَبُونَ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ مَخْدُومُونَ يَخْدِمُهُمْ مَخْلُوقَاتٌ لِأَجْلِ ذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ. وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ التَّرَفُّهِ وَلَذَّةِ الرَّاحَةِ.

وَالرَّحِيقُ: اسْمٌ لِلْخَمْرِ الصَّافِيَةِ الطَّيِّبَةِ.

وَالْمَخْتُومُ: الْمَسْدُودُ إِنَاؤُهُ، أَيْ بَاطِيَتُهُ، وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ خَتَمَهُ إِذَا شَدَّ بِصِنْفٍ مِنَ الطِّينِ مَعْرُوفٍ بِالصَّلَابَةِ إِذَا يَبِسَ فَيَعْسُرُ قَلْعُهُ وَإِذَا قُلِعَ ظَهَرَ أَنَّهُ مَقْلُوعٌ كَانُوا يَجْعَلُونَهُ لِلْخَتْمِ عَلَى الرَّسَائِلِ لِئَلَّا يَقْرَأَ حَامِلُهَا مَا فِيهَا وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ مِنْ كَرَمِ الْكِتَابِ خَتْمُهُ وَيَجْعَلُونَ عَلَامَةً عَلَيْهِ، تُطْبَعُ فِيهِ وَهُوَ رَطْبٌ فَإِذَا يَبِسَ تَعَذَّرَ فَسْخُهَا، وَيُسَمَّى مَا تُطْبَعُ بِهِ خَاتَمًا بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، وَكَانَ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ وَالسَّادَةُ يَجْعَلُونَ لِأَنْفُسِهِمْ خَوَاتِيمَ يَضَعُونَهَا فِي أَحَدِ

الْخِنْصَرَيْنِ لِيَجِدُوهَا عِنْدَ إِصْدَارِ الرَّسَائِلِ عَنْهُمْ، قَالَ جَرِيرٌ: