وَقَالَ حَسَّانُ:
يَسْقُونَ مَنْ وَرَدَ الْبَرِيضَ عَلَيْهِمُ ... بَرَدَى يُصَفِّقُ بِالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ
وَتَنَافُسُهُمْ فِي الْخَمْرِ مَشْهُورٌ مِنْ عَوَائِدِهِمْ وَطَفَحَتْ بِهِ أَشْعَارُهُمْ. كَقَوْلِ لَبِيَدٍ:
أَغْلِي السِّبَاءَ بِكُلَّ أَدْكَنِ عَاتِقٍ ... أَوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وَفُضَّ خِتَامُهَا
وتَسْنِيمٍ عَلَمٌ لَعَيْنٍ فِي الْجَنَّةِ مَنْقُولٌ مِنْ مَصْدَرِ سَنَمَ الشَّيْءُ إِذَا جَعَلَهُ كَهَيْئَةِ السَّنَامِ.
وُوَجَّهُوا هَذِهِ التَّسْمِيَةَ بِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ تَصُبُّ عَلَى جِنَانِهِمْ مِنْ عُلُوٍّ فَكَأَنَّهَا سَنَامٌ. وَهَذَا الْعَلَمُ عَرَبِيُّ الْمَادَّةِ وَالصِّيغَةِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَلِذَا قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ: «هَذَا مِمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السَّجْدَة: ١٧] ، يُرِيدُ لَا يَعْلَمُونَ الْأَشْيَاءَ وَلَا أَسْمَاءَهَا إِلَّا مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ. وَلِغَرَابَةِ ذَلِكَ احْتِيجَ إِلَى تَبْيِينِهِ بِقَوْلِهِ: عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ، أَيْ حَالُ كَوْنِ التَّسْنِيمِ عينا يشرب مِنْهَا الْمُقَرَّبُونَ.
والْمُقَرَّبُونَ: هُمُ الْأَبْرَارُ، أَيْ فَالشَّارِبُونَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ مُقَرَّبُونَ.
وَبَاءُ يَشْرَبُ بِهَا إِمَّا سَبَبِيَّةٌ، وَعُدِّيَ فِعْلُ يَشْرَبُ إِلَى ضَمِيرِ الْعَيْنِ بِتَضْمِينِ يَشْرَبُ مَعْنَى: يَمْزُجُ، لِقَوْلِهِ: وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ أَيْ يَمْزُجُونَ الرَّحِيقَ بِالتَّسْنِيمِ. وَإِمَّا بَاءُ الْمُلَابَسَةِ وَفِعْلُ يَشْرَبُ مُعَدًّى إِلَى مَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ الرَّحِيقُ، أَيْ يَشْرَبُونَ الرَّحِيقَ مُلَابِسِينَ لِلْعَيْنِ، أَيْ مُحِيطِينَ بِهَا وَجَالِسِينَ حَوْلَهَا. أَوِ الْبَاءُ بِمَعْنَى (مِنَ) التَّبْعِيضِيَّةِ وَقَدْ عَدَّهُ الْأَصْمَعِيُّ وَالْفَارِسِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَابْنُ مَالِكٍ فِي مَعَانِي الْبَاءِ، وَيُنْسَبُ إِلَى الْكُوفِيِّينَ.
وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيِّنٍ فَإِنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْعَرَبِيَّ يَكْثُرُ فِيهِ تَعْدِيَةُ فِعْلِ الشُّرْبِ بِالْبَاءِ دُونَ (مِنْ) ، وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ مَعْنَى الْمُلَابَسَةِ، أَوْ كَانَتِ الْبَاءُ زَائِدَةً كَقَوْلِ أَبِي ذُؤَيْبٍ يَصِفُ السَّحَابَ:
شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ ... مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نئيج
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute