الْبَذَخِ وَيَجْلِبُونَهُ مِنْ أَقَاصِي الْبِلَادِ وَيُنْفِقُونَ فِيهِ الْأَمْوَالَ. وَلَمَّا كَانَتِ الْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةً لم يكن البذخ ويجلبونه من أقاضي الْبِلَاد وينفقون فِيهِ الْأَمْوَال. وَلما كَانَت الْوَاو اعتراضية لَمْ يَكُنْ إِشْكَالٌ فِي وُقُوعِ فَاءِ الْجَوَابِ بَعْدَهَا. وَالْفَاءُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ فَصِيحَةً، وَالتَّقْدِيرُ: إِذَا عَلِمْتُمُ الْأَوْصَافَ لِهَذَا الرَّحِيقِ فَلْيَتَنَافَسْ فِيهِ الْمُتَنَافِسُونَ، أَوِ التَّقْدِيرُ: وَفِي ذَلِكَ فَلْتَتَنَافَسُوا فَلْيَتَنَافَسْ فِيهِ الْمُتَنَافِسُونَ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ فِي قُوَّةِ التَّذْيِيلِ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ هُوَ تَنَافُسُ الْمُخَاطَبِينَ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ تَنَافُسُ جَمِيعِ
الْمُتَنَافِسِينَ فَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ فَاءَ جَوَابٍ لِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ فِي الْكَلَامِ يُؤْذِنُ بِهِ تَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْمَجْرُورِ كَثِيرًا مَا يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الشَّرْطِ، كَمَا
رُوِيَ قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّ عَلَيْكُمْ»
بِجَزْمِ «تَكُونُوا» وَ «يُولَّ» ، فَالتَّقْدِيرُ: إِنْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ فِيهِ الْمُتَنَافِسُونَ. وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ تَفْرِيعًا عَلَى مَحْذُوفٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَذْفِ عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَتَنَافَسُوا صِيغَةَ أَمْرٍ فِي ذَلِكَ، فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ فِيهِ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ مُؤَذِنًا بِتَوْكِيدِ فِعْلِ التَّنَافُسِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَذْكُورِ مَرَّتَيْنِ، مَعَ إِفَادَةِ التَّخَصُّصِ بِتَقْدِيمِ الْمَجْرُورِ.
وَجُمْلَةُ: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ إِلَخْ وَجُمْلَةِ: وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ وَالتَّنَافُسُ: تَفَاعُلٌ مِنْ نَفِسَ عَلَيْهِ بِكَذَا إِذَا شَحَّ بِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرَهُ أَهْلًا لَهُ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاشْتِقَاقِ مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ، وَهُوَ الرَّفِيعُ فِي نَوْعِهِ الْمَرْغُوبُ فِي تَحْصِيلِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هُوَ النَّفْسُ. فَالتَّنَافُسُ حُصُولُ النفاسة بَين مُتَعَدد.
وَلَامُ الْأَمْرِ فِي فَلْيَتَنافَسِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّحْرِيضِ وَالْحَثِّ.
ومِزاجُهُ: مَا يُمْزَجُ بِهِ. وَأَصْلُهُ مَصْدَرُ مَازَجَ بِمَعْنَى مَزَجَ، وَأُطْلِقَ عَلَى الْمَمْزُوجِ بِهِ فَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ، وَكَانُوا يَمْزُجُونَ الْخَمْرَ لِئَلَّا تَغْلِبَهُمْ سَوْرَتُهَا فَيُسْرِعُ إِلَيْهِمْ مَغِيبُ الْعُقُولِ لِأَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ تَطْوِيلَ حِصَّةِ النَّشْوَةِ لِلِالْتِذَاذِ بِدَبِيبِ السُّكْرِ فِي الْعَقْلِ دُونَ أَنْ يَغُتَّهُ غَتًّا فَلِذَلِكَ أَكْثَرُ مَا تُشْرَبُ الْخَمْرُ الْمُعَتَّقَةُ الْخَالِصَةُ تُشْرَبُ مَمْزُوجَةً بِالْمَاءِ. قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
شُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ مِنْ مَاءٍ مُحْقِبَةٍ ... صَافٍ بِأَبْطَحَ أَضْحَى وَهُوَ مَشْمُولُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute