وَفَاكِهِينَ اسْمُ فَاعِلِ فَاكَهَ، وَهُوَ مِنْ فَكِهِ مِنْ بَابِ فَرِحَ إِذَا مَزَحَ وَتَحَدَّثَ فَأَضْحَكَ، وَالْمعْنَى: فاكهين بالتحدث عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، فَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ فَاكِهِينَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مُتَعَلِّقَاتِ الْأَفْعَالِ الْمَذْكُورَةِ مَعَهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَاكِهِينَ بِصِيغَة الْفَاعِل. وقرأه حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ «فَكِهِينَ» بِدُونِ أَلِفٍ بَعْدِ الْفَاءِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ فَكِهَ، وَهُوَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ مِثْلَ فَارِحٍ وَفَرح. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُمَا لُغَتَانِ.
وَجُمْلَةُ: وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ حَكَتْ مَا يَقُولُهُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا فِي الْمُؤْمِنِينَ إِذَا شَاهَدُوهُمْ أَيْ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْأَذَى بِالْإِشَارَاتِ وَبِالْهَيْئَةِ وَبِسُوءِ الْقَوْلِ فِي غَيْبَتِهِمْ وَسُوءِ الْقَوْلِ إِعْلَانًا بِهِ عَلَى مَسَامِعِ الْمُؤْمِنِينَ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ، أَمْ كَانَ قَوْلًا يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِذَا رَأَوُا الْمُؤْمِنِينَ كَمَا يَفْكَهُونَ بِالْحَدِيثِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَلَوَاتِهِمْ، وَبِذَلِكَ أَيْضًا فَارَقَ مَضْمُونُ هَذِه الْجُمْلَة مَضْمُون الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا مَعَ مَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ عُمُومِ أَحْوَالِ رُؤْيَتِهِمْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حَالِ الْمُرُورِ بِهِمْ أَوْ مُشَاهَدَةً فِي مَقَرِّهِمْ.
وَمُرَادُهُمْ بِالضَّلَالِ: فَسَادُ الرَّأْيِ. لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْرِفُونَ الضَّلَالَ الشَّرْعِيَّ، أَي هَؤُلَاءِ سيئوا الرَّأْيِ إِذِ اتَّبَعُوا الْإِسْلَامَ وَانْسَلَخُوا عَنْ قَوْمِهِمْ، وَفَرَّطُوا فِي نَعِيمِ الْحَيَاةِ طَمَعًا فِي نَعِيمٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَقْبَلُوا عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّخَلُّقِ بِالْأَخْلَاقِ الَّتِي يَرَاهَا الْمُشْرِكُونَ أَوْهَامًا وَعَنَتَا لِأَنَّهُمْ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَقْدِرَةِ قَدْرِ الْكَمَالِ النَّفْسَانِيِّ وَمَا هَمَّهُمْ إِلَّا التَّلَذُّذَ الْجُثْمَانِيَّ.
وَكَلِمَةُ إِذا
فِي كُلِّ جملَة من الْجمل الثَّلَاث ظرف متعلّق بِالْفِعْلِ الموَالِي لَهُ فِي كل جُمْلَةٍ.
وَلَمْ يُعَرِّجْ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى بَيَانِ مُفَادِ جُمْلَةِ: وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ مَعَ مَا قَبْلَهَا. وَقَالَ الْمَهَايِمِيُّ فِي «تبصرة الرحمان» : «وَإِذَا رَأَوْهُمْ يُؤْثِرُونَ الْكَمَالَاتِ الْحَقِيقِيَّةَ عَلَى الْحِسِّيَّةِ» فَقَدَّرَ مَفْعُولًا مَحْذُوفًا لِفِعْلِ رَأَوْهُمْ لِإِبْدَاءِ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ مَضْمُونِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَمَضْمُونِ الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا وَقَدْ عَلِمْتَ عَدَمَ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ وَلَقَدْ أَحْسَنَ
فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute