وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ وَلَامِ الِابْتِدَاءِ لِقَصْدِ تَحْقِيقِ الْخَبَرِ.
وَجُمْلَةُ: وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ يَلْمِزُوهُمْ بِالضَّلَالِ فِي حَالِ أَنَّهُمْ لَمْ يُرْسِلْهُمْ مُرْسَلٌ لِيَكُونُوا مُوَكَّلِينَ بِأَعْمَالِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَالَهُمْ كَحَالِ الْمُرْسَلِ وَلِذَلِكَ نُفِيَ أَنْ يَكُونُوا أُرْسِلُوا حَافِظِينَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِرْصِ عَلَى أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ، كُلَّمَا رَأَوْهُمْ يُشْبِهُ حَالَ الْمُرْسَلِ لِيَتَتَبَّعَ أَحْوَالَ أَحَدٍ وَمِنْ شَأْنِ الرَّسُولِ الْحِرْصُ عَلَى التَّبْلِيغِ.
وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهَكُّمِ بِالْمُشْرِكِينَ، أَيْ لَمْ يَكُونُوا مُقَيَّضِينَ لِلرِّقَابَةِ عَلَيْهِمْ والاعتناء بصلاحهم.
وَالْخَبَر مُسْتَعْمل فِي التهكم بالمشركين، أَي لم يَكُونُوا مقيّضين للرقابة عَلَيْهِم وَالِاعْتِنَاءِ بِصَلَاحِهِمْ.
فَمَعْنَى الْحِفْظِ هُنَا الرِّقَابَةُ وَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِحَرْفِ (عَلَى) لِيَتَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلَى الْإِرْسَالِ وَالْحِفْظِ وَمَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ الَّذِي أَفَادَهُ حَرْفُ (عَلَى) فَيَنْتَفِي حَالُهُمُ الْمُمَثَّلُ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُور على متعلّقه لِلِاهْتِمَامِ بِمُفَادِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ وَبِمَجْرُورِهِ مَعَ الرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ.
وَأَفَادَتْ فَاءُ السَّبَبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ، أَنَّ اسْتِهْزَاءَهُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا كَانَ سَبَبًا فِي جَزَائِهُمْ بِمَا هُوَ مِنْ نَوْعِهِ فِي الْآخِرَةِ إِذْ جَعَلَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ جَزَاءً وِفَاقًا.
وَتَقْدِيمُ «الْيَوْمِ» عَلَى يَضْحَكُونَ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْجَزَاءِ الْعَظِيمِ الْأَبَدِيِّ وَقَوْلُهُ:
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ فِي اتِّصَالِ نَظْمِهِ بِمَا قَبْلَهُ غُمُوضٌ. وَسَكَتَ عَنْهُ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ عَدَا ابْنَ عَطِيَّةَ. ذَلِكَ أَنَّ تَعْرِيفَ الْيَوْمِ بِاللَّامِ مَعَ كَوْنِهِ ظَرْفًا مَنْصُوبًا يَقْتَضِي أَنَّ الْيَوْمَ مُرَادٌ بِهِ يَوْمٌ حَاضِرٌ فِي وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ نَظِيرَ وَقْتِ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ إِذَا قَالَ: الْيَوْمَ يَكُونُ كَذَا، يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ يَوْمِهِ الْحَاضِرِ، فَلَيْسَ ضَحِكُ الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى الْكُفَّارِ بِحَاصِلٍ فِي وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ يَوْمَ الْجَزَاءِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ بِمَعْنَى: فَيَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ مِنَ الْكُفَّارِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مُقْتَضَى النَّظْمِ أَنْ يُقَالَ فَيَوْمَئِذٍ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. وَابْنُ عَطِيَّةَ اسْتَشْعَرَ إِشْكَالَهَا فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute