شَمِلَهُمْ لَفْظُ الْإِنْسَانِ فِي قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ لِأَنَّ الْعِنَايَةَ بِمَوْعِظَتِهِمْ أَهَمُّ فَالضَّمِيرُ الْتِفَاتٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ [الانشقاق: ١٩] فَيَكُونُ مَخْصُوصًا بِالْمُشْرِكِينَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ أَهَمُّ فِي هَذِهِ الْمَوَاعِظِ. وَالضَّمِيرُ أَيْضًا الْتِفَاتٌ.
وَيَجُوزُ تَفْرِيعُهُ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْقَسَمُ مِنَ الْأَحْوَالِ الْمُقْسَمِ بِهَا بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِ الْقَسَمِ بِهَا أَنَّهَا دَلَائِلُ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَفَرُّدِهِ بِالْأُلْهِيَّةِ فَفِي ذِكْرِهَا تَذْكِرَةٌ بِدَلَالَتِهَا عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ. وَالِالْتِفَاتُ هُوَ هُوَ.
وَتَرْكِيبُ «مَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ» يَشْتَمِلُ عَلَى (مَا) الِاسْتِفْهَامِيَّةِ مُخْبِرٌ عَنْهَا بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ. وَالْجُمْلَةُ بَعْدَ لَهُمْ حَالٌ مِنْ (مَا) الِاسْتِفْهَامِيَّةِ.
وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ وَفِي إِنْكَارِ انْتِفَاءِ إِيمَانِهِمْ لِأَنَّ شَأْنَ الشَّيْءِ الْعَجِيبِ الْمُنْكَرِ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ فَاسْتِعْمَالُ الِاسْتِفْهَامِ فِي مَعْنَى التَّعْجِيبِ وَالْإِنْكَارِ مَجَازٌ بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ.
وَجُمْلَةُ: لَا يُؤْمِنُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ فَإِنَّهَا لَوْ وَقَعَ فِي مَكَانِهَا اسْمٌ لَكَانَ مَنْصُوبًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ [النِّسَاء: ٨٨] وَالْحَالُ هِيَ مَنَاطُ التَّعْجِيبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي تَرْكِيبِهِ وَفِي الصِّيَغِ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا أَمْثَالُ هَذَا التَّرْكِيبِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٤٦] .
وَمُتَعَلِّقُ يُؤْمِنُونَ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، أَيْ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ.
وَيَجُوزُ تَنْزِيلُ فِعْلِ يُؤْمِنُونَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، أَيْ لَا يَتَّصِفُونَ بِالْإِيمَانِ، أَيْ مَا سَبَبُ أَنْ لَا يَكُونُوا مُؤمنين، لظُهُور الدَّلَائِل عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ فَكَيْفَ يَسْتَمِرُّونَ عَلَى الْإِشْرَاكِ بِهِ.
وَالْمَعْنَى: التَّعْجِيبُ وَالْإِنْكَارُ مِنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ مَعَ ظُهُورِ دَلَائِلِ صِدْقِ مَا دُعُوا إِلَيْهِ وَأُنْذِرُوا بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute