للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قِتالٍ فِيهِ، وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ فَيَجُوزُ فِيهِ إِبْدَالُ النَّكِرَةِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْبَعْضِ عَلَى أَنَّ وَصْفَ النَّكِرَةِ هُنَا بِقَوْلِهِ (فِيهِ) يَجْعَلُهَا فِي قُوَّةِ الْمَعْرِفَةِ. فَالْمُرَادُ بَيَانُ أَيِّ شَهْرٍ كَانَ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَأَيِّ قِتَالٍ، فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ إِنْكَارِيًّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَكَوْنُ الْمُرَادِ جِنْسَ هَذِهِ الْأَشْهُرِ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ اسْتِفْسَارًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ، وَمُجَرَّدُ كَوْنِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي تَسَبَّبَ عَلَيْهَا السُّؤَالُ وَقَعَتْ فِي شَهْرٍ مُعَيَّنٍ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ السُّؤَالِ بِذَلِكَ الشَّهْرِ، إِذْ لَا يَخْطُرُ بِبَالِ السَّائِلِ بَلِ الْمَقْصُودُ السُّؤَالُ عَنْ دَوَامِ هَذَا الْحُكْمِ الْمُتَقَرِّرِ عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِشَهْرٍ دُونَ شَهْرٍ.

وَإِنَّمَا اخْتِيرَ طَرِيقُ الْإِبْدَالِ هُنَا- وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ- لِأَجَلِ الِاهْتِمَامِ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ لِأَجْلِ الشَّهْرِ أَيَقَعُ فِيهِ قِتَالٌ؟ لَا لِأَجْلِ الْقِتَالِ هَلْ يَقَعُ فِي الشَّهْرِ وَهُمَا مُتَآيِلَانِ، لَكِنَّ التَّقْدِيمَ لِقَضَاءِ حَقِّ الِاهْتِمَامِ، وَهَذِهِ نُكْتَةٌ لِإِبْدَالِ عَطْفِ الْبَيَانِ تَنْفَعُ فِي مَوَاقِعَ كَثِيرَةٍ، عَلَى أَنَّ فِي طَرِيقِ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ تَشْوِيقًا بِارْتِكَابِ الْإِجْمَالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ.

وَتَنْكِيرُ (قِتَالٍ) مُرَادٌ بِهِ الْعُمُومُ، إِذْ لَيْسَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ قِتَالًا مُعَيَّنًا وَلَا فِي شَهْرٍ مُعَيَّنٍ، بَلِ الْمُرَادُ هَذَا الْجِنْسُ فِي هَذَا الْجِنْسِ. وَ (فِيهِ) ظَرْفُ صِفَةٍ لِقِتَالٍ مُخَصَّصَةٍ لَهُ.

وَقَوْلُهُ: قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ إِظْهَارُ لَفْظِ الْقِتَالِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِيَكُونَ الْجَوَابُ صَرِيحًا حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الشَّهْرَ الْحَرَامَ هُوَ الْكَبِيرُ، وَلِيَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى طَبَقِ السُّؤَالِ فِي اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَرِّفْ لَفْظَ الْقِتَالِ ثَانِيًا بِاللَّامِ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي السُّؤَالِ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَغْنَى عَنْ تَعْرِيفِهِ بِاتِّحَادِ الْوَصْفَيْنِ فِي لَفْظِ السُّؤَالِ وَلَفْظِ الْجَوَابِ وَهُوَ ظَرْفُ (فِيهِ) ، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَعْرِيفِ النَّكِرَةِ بِاللَّامِ إِذَا أُعِيدَ ذِكْرُهَا إِلَّا التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا تِلْكَ الْأُولَى لَا غَيْرُهَا، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِالْوَصْفِ الْمُتَّحِدِ، قَالَ التَّفْتَازَانِيّ: فالمسؤول عَنْهُ هُوَ الْمُجَابُ عَنْهُ وَلَيْسَ غَيْرُهُ كَمَا تُوُهِّمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّكِرَةَ إِذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأُولَى، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِضَرْبَةِ لَازِمٍ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ يَتْبَعُ الْقَرَائِنَ.

وَالْجَوَابُ تَشْرِيعٌ إِنْ كَانَ السُّؤَالُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَاعْتِرَافٌ وَإِبْكَاتٌ إِنْ كَانَ السُّؤَالُ إِنْكَارًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّهُمْ تَوَقَّعُوا أَنْ يُجِيبَهُمْ بِإِبَاحَةِ الْقِتَالِ فَيُثَوِّرُوا بِذَلِكَ الْعَرَبَ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.