ذَلِكَ مِنَ النِّحَلِ وَالْمِلَلِ قَدْ حَادَ عَنْ أُصُولِ شَرَائِعِ اللَّهِ كُلِّهَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ اخْتِلَافِهَا فِي الْفُرُوعِ، وَيَكْفِي فِي تَقَوُّمِ مَعْنَى بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ مَا يَلُوحُ فِي الْمَعْنَى مِنِ احْتِمَالٍ.
وَجُمْلَةُ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ هُوَ جَوَابُ الْقَسَمِ.
وَالْقَسَمُ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْوِيمَ تَقْوِيمٌ خَفِيٌّ وَأَنَّ الرَّدَّ رَدٌّ خَفِيٌّ يَجِبُ التَّدَبُّرُ لِإِدْرَاكِهِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي قَوْلِهِ: فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ فَلِذَلِكَ نَاسَبَ أَنْ يُحَقَّقَ بِالتَّوْكِيدِ بِالْقَسَمِ، لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ مُعْظَمِ النَّاسِ فِي عَقَائِدِهِمْ جَارِيَةٌ عَلَى حَالَةٍ تُشْبِهُ حَالَةَ مَنْ يُنْكِرُونَ أَنَّهُمْ خُلِقُوا عَلَى الْفِطْرَةِ.
وَالْخَلْقُ: تَكْوِينٌ وَإِيجَادٌ لِشَيْءٍ، وَخَلَقَ اللَّهُ جَمِيعَ النَّاسِ هُوَ أَنَّهُ خَلَقَ أُصُولَ الْإِيجَادِ
وَأَوْجَدَ الْأُصُولَ الْأُولَى فِي بَدْءِ الْخَلِيقَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: ٧٥] وَخَلَقَ أَسْبَابَ تَوَلُّدِ الْفُرُوعِ من الْأُصُول فتناسب مِنْهَا ذُرِّيَّاتُهُمْ كَمَا قَالَ: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [الْأَعْرَاف: ١١] .
وَتَعْرِيفُ الْإِنْسانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ، وَهُوَ التَّعْرِيفُ الْمَلْحُوظُ فِيهِ مَجْمُوعُ الْمَاهِيَّةِ مَعَ وُجُودِهَا فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ بَعْضِ أَفْرَادِهَا أَوْ جَمِيعِ أَفْرَادِهَا.
وَيُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى: خَلَقْنَا جَمِيعَ النَّاسِ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفُ الْإِنْسانَ تَعْرِيفَ الْحَقِيقَةِ نَحْوَ قَوْلِهِمُ: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
الْحَرْبُ أَوَّلَ مَا تَكُونُ فَتِيَّةٌ فَلَا يُلَاحَظُ فِيهِ أَفْرَادُ الْجِنْسِ بَلِ الْمَلْحُوظُ حَالَةُ الْمَاهِيَّةِ فِي أَصْلِهَا دُونَ مَا يَعْرِضُ لِأَفْرَادِهَا مِمَّا يُغَيِّرُ بَعْضَ خَصَائِصِهَا. وَمِنْهُ التَّعْرِيفُ الْوَاقِعُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْمَعَارِجِ [١٩] .
وَالتَّقْوِيمُ: جَعْلُ الشَّيْءِ فِي قَوَامٍ (بِفَتْحِ الْقَافِ) ، أَيْ عَدْلٍ وَتَسْوِيَةٍ، وَحُسْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute