للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُوَ إِبْطَالٌ بِطْرِيقِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ فِي الْجَدَلِ، أَيْ إِذَا سَلَّمْنَا أَنَّكُمْ مُوصُونَ بِالتَّمَسُّكِ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَا تَنْفَكُّونَ عَنْهُ حَتَّى تَأْتِيَكُمُ الْبَيِّنَةُ، فَلَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ مَا يُنَافِي مَا جَاءَ بِهِ كتابكُمْ لِأَن كِتَابُكُمْ يَأْمُرُ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ دُونَ إِشْرَاكٍ، وَذَلِكَ هُوَ الْحَنِيفِيَّةُ وَهِيَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ بِهِ، فَذَلِكَ دِينُ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فِي دِينِكُمْ.

فَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَ عَاطِفَةً عَلَى جُمْلَةِ: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [الْبَيِّنَة: ٤] إِلَخْ.

وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَ لِلْحَالِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [الْبَيِّنَةُ: ١] . وَالْمَعْنَى وَالْحَالُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ أَتَتْهُمْ إِذْ جَاءَ الْإِسْلَامُ بِمَا صَدَّقَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيئًا من وسط أخواتهم وَأَجْعَلُ كَلَامِي فِي فَمِهِ» ، وَقَوْلُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ» .

وَالتَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ الْمُسْنَدِ لِلْمَجْهُولِ مُفِيدٌ مَعْنَيَيْنِ، أَيْ مَا أُمِرُوا فِي كِتَابِهِمْ إِلَّا بِمَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ. فَالْمَعْنَى: وَمَا أُمِرُوا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إِلَّا أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ إِلَى آخِرِهِ.

فَإِنَّ التَّوْرَاةَ أَكَّدَتْ عَلَى الْيَهُودِ تَجَنُّبَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَأَمَرَتْ بِالصَّلَاةِ، وَأَمَرَتْ بِالزَّكَاةِ أَمْرًا مُؤَكَّدًا مُكَرَّرًا. وَتِلْكَ هِيَ أُصُولُ دِينِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ صَوْمُ رَمَضَانَ وَالْحَجُّ، وَالْإِنْجِيلُ لَمْ يُخَالِفِ التَّوْرَاةَ أَوِ الْمَعْنَى وَمَا أُمِرُوا فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا بِمَثَلِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ كِتَابُهُمْ، فَلَا مَعْذِرَةَ لَهُمْ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الْإِسْلَامِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ.

وَنَائِبُ فَاعِلِ أُمِرُوا مَحْذُوفٌ لِلْعُمُومِ، أَيْ مَا أُمِرُوا بِشَيْءٍ إِلَّا بِأَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِيَعْبُدُوا اللَّهَ هِيَ اللَّامُ الَّتِي تَكْثُرُ زِيَادَتُهَا بَعْدَ فِعْلِ الْإِرَادَةِ وَفِعْلِ الْأَمْرِ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٢٦] وَقَوْلِهِ:

وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٧١] ، وَسَمَّاهَا بَعْضُ النُّحَاةِ لَامَ (أَنْ) .

وَالْإِخْلَاصُ: التَّصْفِيَةُ وَالْإِنْقَاءُ، أَيْ غَيْرَ مُشَارِكِينَ فِي عِبَادَتِهِ مَعَهُ غَيْرَهُ.