للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلتَّشْبِيهِ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمُبَيِّنِ لِنَوْعِ يُبَيِّنُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي

وُجُوهِ هَذِهِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الْبَقَرَة: ١٤٣] .

أَوِ الْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْبَيَانِ الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ إِلَى قَوْلِهِ الْعَفْوَ، وَقَرَنَ اسْمَ الْإِشَارَةِ بِعَلَامَةِ الْبُعْدِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ لِكَمَالِهِ فِي الْبَيَانِ، إِذْ هُوَ بَيَانٌ لِلْحُكْمِ مَعَ بَيَانِ عِلَّتِهِ حَتَّى تَتَلَقَّاهُ الْأُمَّةُ بِطِيبِ نَفْسٍ، وَحَتَّى يُلْحِقُوا بِهِ نَظَائِرَهُ، وَبَيَانٌ لِقَاعِدَةِ الْإِنْفَاقِ بِمَا لَا يَشِذُّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُنْفِقِينَ، وَلِكَوْنِ الْكَافِ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْخِطَابُ بَلْ مُجَرَّدُ الْبُعْدِ الِاعْتِبَارِيِّ لِلتَّعْظِيمِ لَمْ يُؤْتَ بِهَا عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ مِنْ خِطَابِ الْجَمَاعَةِ فَلَمْ يَقُلْ كَذَلِكُمْ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ.

وَاللَّامُ فِي لَكُمُ لِلتَّعْلِيلِ وَالْأَجَلِ وَهُوَ امْتِنَانٌ وَتَشْرِيفٌ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّ الْبَيَانَ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ مِمَّا اخْتُصَّتْ بِهِ هَاتِهِ الْأُمَّةُ لِيَتَلَقَّوُا التَّكَالِيفَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْعِظَةِ الَّتِي تُلْقَى إِلَى كَامِلِ الْعَقْلِ مُوَضَّحَةً بِالْعَوَاقِبِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَرَادَ لَهَاتِهِ الْأُمَّةِ أَنْ يَكُونَ عُلَمَاؤُهَا مُشَرِّعِينَ. وَبَيَّنَ فَائِدَةَ هَذَا الْبَيَانِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ بِقَوْلِهِ: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أَيْ لِيَحْصُلَ لِلْأُمَّةِ تَفَكُّرٌ وَعِلْمٌ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأُمُورِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّ التَّفَكُّرَ مَظْرُوفٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَتَقْدِيرُ الْمُضَافِ لَازِمٌ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَالْآخِرَةِ إِذْ لَا مَعْنَى لِوُقُوعِ التَّفَكُّرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِ الْحَظْرِ وَالْوُجُوبِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لَكَانَ بَيَانًا لِلتَّفَكُّرِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ خَاصَّةً وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ بِأَنْ قِيلَ: قُلْ فِيهِمَا نَفْعٌ وَضُرٌّ لَكَانَ بَيَانًا لِلتَّفَكُّرِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا خَاصَّةً، وَلَكِنَّ ذِكْرَ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ تَذْكِيرٌ بِمَصْلَحَتَيِ الدَّارَيْنِ، وَفِي هَذَا تَنْوِيهٌ بِشَأْنِ إِصْلَاحِ أُمُورِ الْأُمَّةِ فِي الدُّنْيَا،

وَوَقَعَ فِي كَلَامٍ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ ذَمَّ رَجُلٌ الدُّنْيَا عِنْده فَقَالَ لَهُ: «الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا وَدَارُ نَجَاةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَدَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوُّدَ مِنْهَا وَمَهْبِطُ وَحْيِ اللَّهِ وَمُصَلَّى مَلَائِكَتِهِ وَمَسْجِدُ أَنْبِيَائِهِ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَذُمُّهَا وَقَدْ آذَنَتْ بِبَيْنِهَا

إِلَخْ» . وَلَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي يَصْلُحُ لِلتَّفَكُّرِ هُوَ الْحُكْمُ الْمَنُوطُ بِالْعِلَّةِ وَهُوَ حُكْمُ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ثُمَّ مَا نَشَأَ عَنهُ قَوْله:

وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ كَذلِكَ لِكَوْنِ الْإِنْفَاقِ مِنَ الْعَفْوِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْبَيَانَ لَا يَظْهَرُ فِيهِ كَمَالُ الِامْتِنَانِ حَتَّى يُجْعَلَ نَمُوذَجًا لِجَلِيلِ الْبَيَانَاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَحَتَّى يَكُونَ