أَضْعَفُ. قَالُوا وَلَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِمَعْنَى الْعَقْدِ فَقِيلَ إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [الْبَقَرَة: ٢٣٠] ، لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي الْعَقْدُ فِي تَحْلِيلِ الْمَبْتُوتَةِ حَتَّى يَبْنِيَ بِهَا زَوْجُهَا كَمَا فِي حَدِيثِ زَوْجَةِ رِفَاعَةَ وَلَكِنَّ الْأَصْوَبَ أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَإِنَّمَا بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الْعَقْدِ مِنَ الْوَطْءِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالْمَنْعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقْدِ بِالِاتِّفَاقِ.
وَالْمُشْرِكُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ مَنْ يَدِينُ بِتَعَدُّدِ آلِهَةٍ مَعَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي مَوَاضِعِهِ مِنَ الْقُرْآنِ مُشْرِكُو الْعَرَبِ الَّذِينَ عَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَيُقَابِلُهُمْ فِي تَقْسِيمِ الْكُفَّارِ أَهْلُ الْكِتَابِ وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ وَلَكِنَّهُمْ أَنْكَرُوا رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَنَصُّ هَذِهِ الْآيَةِ تَحْرِيمُ تَزَوُّجِ الْمُسْلِمِ الْمَرْأَةَ الْمُشْرِكَةَ وَتَحْرِيمُ تَزْوِيجِ الْمُسْلِمَةِ الرَّجُلَ الْمُشْرِكَ فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا تَزَوُّجُ الْمُسْلِمِ الْمَرْأَةَ الْكِتَابِيَّةَ وَتَزْوِيجُ الْمُسْلِمَةِ الرَّجُلَ
الْكِتَابِيَّ فَالْآيَةُ سَاكِتَةٌ عَنْهُ، لِأَنَّ لَفْظَ الْمُشْرِكِ لَقَبٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ إِلَّا إِذَا جَرَى عَلَى مَوْصُوفٍ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ، وَقَدْ أَذِنَ الْقُرْآنُ بِجَوَازِ تَزَوُّجِ الْمُسْلِمِ الْكِتَابِيَّةَ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [الْمَائِدَة: ٥] فِي سُورَةِ الْعُقُودِ فَلِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِ تَزَوُّجِ الْمُسْلِمِ الْكِتَابِيَّةَ دُونَ الْمُشْرِكَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَعَلَى هَذَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، فَبَقِيَ تَزْوِيجُ الْمُسْلِمَةِ مِنَ الْكِتَابِيِّ لَا نَصَّ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ إِمَّا اسْتِنَادًا مِنْهُمْ إِلَى الِاقْتِصَارِ فِي مَقَامِ بَيَانِ التَّشْرِيعِ وَإِمَّا إِلَى أَدِلَّةٍ مِنَ السُّنَّةِ وَمِنَ الْقِيَاسِ وَسَنُشِيرُ إِلَيْهِ أَوْ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَظْهَرُ. وَذَهَبَتْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ لِفِقْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا أَهْلُ الْكِتَابِ صَارُوا مُشْرِكِينَ لِقَوْلِ الْيَهُودِ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَلِقَوْلِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَأُبُوَّةُ الْإِلَهِ تَقْتَضِي أُلُوهِيَّةَ الِابْنِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى جَنَحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَفِي «الْمُوَطَّأِ» عَنْهُ «لَاَ أَعْلَمُ شِرْكًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ رَبُّهَا عِيسَى» وَلَكِنَّ هَذَا مَسْلَكٌ ضَعِيفٌ جِدًّا، لِأَنَّ إِدْخَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي مَعْنَى الْمُشْرِكِينَ بَعِيدٌ عَنِ الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمْثَالُهَا وَهُوَ مَعْلُومٌ فَاشٍ، وَلِأَنَّهُ إِذَا تَمَّ فِي النَّصَارَى بِاطِّرَادٍ فَهُوَ لَا يَتِمُّ فِي الْيَهُودِ، لِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ إِنَّمَا هُمْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَهُمْ أَتْبَاعُ (فِنْحَاصٍ) كَمَا حَكَاهُ الْفَخْرُ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَمْنَعُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً وَأَنْ يُزَوَّجَ أَحَدٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مُسْلِمَةً فَإِنَّ آيَةَ سُورَةِ الْعُقُودِ خَصَّصَتْ عُمُومَ الْمَنْعِ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ: وَالْمُحْصَناتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute