للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [الْمَائِدَة: ٥] ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ قَوْلَهُمُ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَقَوْلَ الْآخَرِينَ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ فَبَقِيَ تَزْوِيجُ الْمُسْلِمَةِ إِيَّاهُمْ مَشْمُولًا لِعُمُومِ آيَةِ الْبَقَرَةِ، وَهَذَا مَسْلَكٌ سَلَكَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.

وَمِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مَنْ كَرِهَ تَزَوُّجَ الْكِتَابِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَقَدْ بَلَغَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً أَنْ خَلِّ سَبِيلَهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ حُذَيْفَةُ أَتَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَا وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ تَعَاطَوُا الْمُومِسَاتِ مِنْهُنَّ.

وَقَالَ شُذُوذٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِمَنْعِ تَزَوُّجِ الْمُسْلِمِ الْكِتَابِيَّةَ، وَزَعَمُوا أَنَّ آيَةَ سُورَةِ الْعُقُودِ نَسَخَتْهَا آيَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَيَهُودِيَّةٍ تَزَوَّجَهَا وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَنَصْرَانِيَّةٍ تَزَوَّجَهَا، فَقَالَا لَهُ نُطَلِّقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا تَغْضَبُ فَقَالَ: لَوْ جَازَ طَلَاقُكُمَا

لَجَازَ نِكَاحُكُمَا، وَلَكِنْ أُفَرِّقُ بَيْنَكُمَا صَغَرَةً وَقَمَاءَةً، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَهَذَا لَا يُسْنَدُ جَيِّدًا وَالْأَثَرُ الْآخَرُ عَنْ عُمَرَ أَسْنَدُ مِنْهُ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنَ الْقَوْلِ بِخِلَافِ ذَلِكَ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ وَإِنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ لَهُمَا تَزَوُّجَهُمَا حَذَرًا مِنْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمَا النَّاسُ فَيَزْهَدُوا فِي الْمُسْلِمَاتِ.

وحَتَّى يُؤْمِنَّ غَايَةٌ لِلنَّهْيِ فَإِذَا آمَنَ زَالَ النَّهْيُ وَلِذَلِكَ إِذَا أَسْلَمَ الْمُشْرِكُ وَلَمْ تُسْلِمْ زَوْجَتُهُ تَبِينُ مِنْهُ إِلَّا إِذَا أَسْلَمَتْ عَقِبَ إِسْلَامِهِ بِدُونِ تَأْخِيرٍ.

وَقَوْلُهُ: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ تَنْبِيهٌ عَلَى دَنَاءَةِ الْمُشْرِكَاتِ وَتَحْذِيرٌ مِنْ تَزَوُّجِهِنَّ وَمِنَ الِاغْتِرَارِ بِمَا يَكُونُ لِلْمُشْرِكَةِ مِنْ حَسَبٍ أَوْ جَمَالٍ أَوْ مَالٍ وَهَذِهِ طَرَائِقُ الْإِعْجَابِ فِي الْمَرْأَةِ الْمَبَالَغُ عَلَيْهِ بقوله: وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ تَزَوُّجَ حُرَّةٍ مُؤْمِنَةٍ فَلْيَتَزَوَّجْ أَمَةً مُؤْمِنَةً خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَزَوَّجَ حُرَّةً مُشْرِكَةً، فَالْأَمَةُ هُنَا هِيَ الْمَمْلُوكَةُ، وَالْمُشْرِكَةُ الْحُرَّةُ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ فَالْكَلَامُ وَارِدٌ مَوْرِدَ التَّنَاهِي فِي تَفْضِيلِ أَقَلِّ أَفْرَادِ هَذَا الصِّنْفِ عَلَى أَتَمِّ أَفْرَادِ الصِّنْفِ الْآخَرِ، فَإِذَا كَانَتِ الْأَمَةُ الْمُؤْمِنَةُ خَيْرًا مِنْ كُلِّ مُشْرِكَةٍ فَالْحُرَّةُ الْمُؤْمِنَةُ خَيْرٌ مِنَ الْمُشْرِكَةِ بِدَلَالَةِ فَحَوَى الْخِطَابِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا السِّيَاقُ، وَلِظُهُورِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَفْضِيلِ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ عَلَى الْأَمَةِ الْمُشْرِكَةِ فَإِنَّهُ حَاصِلٌ بِدَلَالَةِ فَحْوَى الْخِطَابِ لَا يَشُكُّ فِيهِ الْمُخَاطَبُونَ الْمُؤْمِنُونَ وَلقَوْله: وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ فَإِنَّ الْإِعْجَابَ بِالْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ.