للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَتَّى تكمل مُدَّة عَادَتهَا، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ انْقِطَاعَهُ لِأَكْثَرِ أَمَدِهِ انْقِطَاعٌ تَامٌّ لَا يُخْشَى بَعْدَهُ رُجُوعُهُ بِخِلَافِ انْقِطَاعِهِ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَزِمَ أَنْ يُتَقَصَّى أَثَرُهُ بِالْمَاءِ أَوْ بِمُضِيِّ وَقْتِ صَلَاةٍ، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلًا لِهَذَا التَّفْصِيلِ فَقَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ السَّلْكُوتِيُّ (حَتَّى يَطْهُرْنَ) قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ فَتَنْزِلُ الْقِرَاءَتَانِ مَنْزِلَةَ آيَتَيْنِ، وَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مُعَارِضَةً الْأُخْرَى مِنْ حَيْثُ اقْتِضَاءُ قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ الطُّهْرَ بِمَعْنَى النَّقَاءِ وَاقْتِضَاءُ الْأُخْرَى كَوْنَهُ بِمَعْنَى الْغُسْلِ جُمِعَ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ بِإِعْمَالِ كُلٍّ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ اهـ، وَهَذَا مُدْرَكٌ ضَعِيفٌ، إِذْ لَمْ يَعْهَدْ عَدَّ الْقِرَاءَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ آيَتَيْنِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّعَارُضُ، سَلَّمْنَا لَكِنَّهُمَا وَرَدَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُمَا عَلَى مُقَيِّدِهِمَا بِأَنْ نَحْمِلَ الطُّهْرَ بِمَعْنَى النَّقَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالْغُسْلِ، سَلَّمْنَا الْعُدُولَ عَنْ هَذَا التَّقْيِيدِ فَمَا هُوَ الدَّلِيلُ الَّذِي خَصَّ كُلَّ قِرَاءَةٍ بِحَالَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى أَوْ دُونَ حَالَاتٍ أُخَرَ، فَمَا هَذَا إِلَّا صُنْعٌ بِالْيَدِ، فَإِنْ قُلْتَ لِمَ بَنَوْا دَلِيلَهُمْ عَلَى تَنْزِيلِ الْقِرَاءَتَيْنِ مَنْزِلَةَ الْآيَتَيْنِ وَلَمْ يَبْنُوهُ مِثْلَنَا عَلَى وُجُودِ (يَطْهُرْنَ) وَ (يَطَّهَّرْنَ) فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، قُلْتُ كَأَنَّ سَبَبَهُ أَنَّ الْوَاقِعَيْنِ فِي الْآيَةِ هُمَا جُزْءَا آيَةٍ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّعَارُضِ بَيْنَ جُزْئَيْ آيَةٍ بَلْ يُحْمَلَانِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا مُفَسِّرٌ لِلْآخَرِ أَوْ مُقَيِّدٌ لَهُ.

وَقَوْلُهُ: فَأْتُوهُنَّ الْأَمْرُ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ لَا مَحَالَةَ لِوُقُوعِهِ عَقِبَ النَّهْيِ مِثْلَ وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [الْمَائِدَة: ٢] عُبِّرَ بِالْإِتْيَانِ هُنَا وَهُوَ شَهِيرٌ فِي التَّكَنِّي بِهِ عَنِ الْوَطْءِ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِرْبَانِ الْمَنْهِيِّ عَنهُ هُوَ الَّذِي الْمَعْنَى الْكِنَائِيُّ فَقَدْ عُبِّرَ بِالِاعْتِزَالِ ثُمَّ قُفِّيَ بِالْقِرْبَانِ ثُمَّ قُفِّيَ بِالْإِتْيَانِ وَمَعَ كُلِّ تَعْبِيرٍ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ وَحُكْمٌ جَدِيدٌ وَهَذَا مِنْ إِبْدَاعِ الْإِيجَازِ فِي الْإِطْنَابِ.

وَقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ حَيْثُ اسْمُ مَكَانٍ مُبْهَمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ مُلَازِمُ الْإِضَافَةِ إِلَى جُمْلَةٍ تُحَدِّدُهُ لِزَوَالِ إِبْهَامِهَا، وَقَدْ أُشْكِلَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الظَّرْفِ عَلَى الَّذِينَ تَصَدَّوْا لِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَمَا أَرَى سَبَبَ إِشْكَالِهِ إِلَّا أَنَّ الْمَعْنَى قَدِ اعْتَادَ الْعَرَبُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ سُلُوكَ طَرِيقِ الْكِنَايَةِ وَالْإِغْمَاضِ وَكَانَ فَهْمُهُ مَوْكُولًا إِلَى فِطَنِهِمْ وَمُعْتَادِ تَعْبِيرِهِمْ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ أَيْ إِلَّا مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِأَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ مِنْهُ مُدَّةَ الْحَيْضِ يَعْنِي الْقُبُلَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ (مِنْ) بِمَعْنَى فِي وَنَظَّرَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ [الْأَحْقَاف: ٤] وَقَوْلِهِ: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الْجُمُعَةِ: ٩] ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي رُزَيْنٍ مَسْعُودِ بْنِ مَالِكٍ وَالسُّدِّيِّ وَقَتَادَةَ