للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُقِمَّ بَيْتَ زَوْجِهَا، وَأَنْ تُجَهِّزَ طَعَامَهُ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ، كَمَا لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْإِنْفَاقُ عَلَى زَوْجِهَا بَلْ كَمَا تُقِمُّ بَيْتَهُ وَتُجَهِّزُ طَعَامَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يَحْرُسَ الْبَيْتَ وَأَنْ يُحَضِرَ لَهَا الْمِعْجَنَةَ وَالْغِرْبَالَ، وَكَمَا تَحْضُنُ وَلَدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْفِيَهَا مُؤْنَةَ الِارْتِزَاقِ كَيْ لَا تُهْمِلَ وَلَدَهُ، وَأَنْ يَتَعَهَّدَهُ بِتَعْلِيمِهِ وَتَأْدِيبِهِ، وَكَمَا لَا تَتَزَوَّجُ عَلَيْهِ بِزَوْجٍ فِي مُدَّةِ عِصْمَتِهِ، يَجِبُ عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجَةٍ أُخْرَى حَتَّى لَا تُحِسَّ بِهَضِيمَةٍ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَإِذَا تَأَتَّتِ الْمُمَاثَلَةُ الْكَامِلَةُ فَتُشَرَّعُ، فَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُحْسِنَ مُعَاشَرَةَ زَوْجِهَا، بِدَلِيلِ مَا رُتِّبَ عَلَى حُكْمِ النُّشُوزِ، قَالَ تَعَالَى:

وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النِّسَاء: ٣٤] وَعَلَى الرَّجُلِ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النِّسَاء: ١٩] وَعَلَيْهَا حِفْظُ نَفْسِهَا عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِزَوْجٍ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ عَمَّنْ لَيست بِزَوْجَة [النُّور: ٣٠] ثُمَّ قَالَ: وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النُّور: ٣٠] الْآيَةَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥- ٦] إِلَّا إِذَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى فَلِذَلِكَ حُكْمٌ آخَرٌ، يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ، وَالْمُمَاثَلَةُ فِي الرِّعَايَةِ،

فَفِي الْحَدِيثِ: «الرَّجُلُ

رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا

، وَالْمُمَاثَلَةُ فِي التَّشَاوُرِ فِي الرَّضَاعِ، قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ [الْبَقَرَة: ٢٣٣] وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ [الطَّلَاق: ٦] .

وَتَفَاصِيلُ هَاتِهِ الْمُمَاثَلَةِ، بِالْعَيْنِ أَوْ بِالْغَايَةِ، تُؤْخَذُ مِنْ تَفَاصِيلِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَمَرْجِعُهَا إِلَى نَفْيِ الْإِضْرَارِ، وَإِلَى حِفْظِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الْأُمَّةِ، وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: بِالْمَعْرُوفِ أَيْ لَهُنَّ حَقٌّ مُتَلَبِّسًا بِالْمَعْرُوفِ، غَيْرِ الْمُنْكَرِ، مِنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ، وَالْآدَابِ، وَالْمَصَالِحِ، وَنَفْيِ الْإِضْرَارِ، وَمُتَابَعَةِ الشَّرْعِ. وَكُلُّهَا مَجَالُ أَنْظَارِ الْمُجْتَهِدِينَ.

وَلَمْ أَرَ فِي كُتُبِ فُرُوعِ الْمَذَاهِبِ تَبْوِيبًا لِأَبْوَابِ تَجْمَعُ حُقُوقَ الزَّوْجَيْنِ. وَفِي «سُنَنِ أبي دَاوُد» ، و «سنَن ابْنِ مَاجَهْ» ، بَابَانِ أَحَدُهُمَا لِحُقُوقِ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَالْآخَرُ لِحُقُوقِ الزَّوْجِ عَلَى الرَّجُلِ، بِاخْتِصَارٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعِدُّونَ الرَّجُلَ مَوْلًى لِلْمَرْأَةِ فَهِيَ وَلِيَّةٌ كَمَا يَقُولُونَ، وَكَانُوا لَا يَدَّخِرُونَهَا تَرْبِيَةً، وَإِقَامَةً وَشَفَقَةً، وَإِحْسَانًا، وَاخْتِيَارَ مَصِيرٍ، عِنْدَ إِرَادَةِ تَزْوِيجِهَا، لِمَا كَانُوا حَرِيصِينَ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِ الْأَكْفَاءِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ لَا يَرَوْنَ لَهَا حَقًّا فِي مُطَالَبَةٍ بِمِيرَاثٍ وَلَا بِمُشَارَكَةٍ فِي اخْتِيَارِ مَصِيرِهَا، وَلَا بِطَلَبِ مَا لَهَا مِنْهُمْ، وَقَدْ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ هَذِهِ فِي قَوْلِهِ: وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ