فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ [النِّسَاء: ١٢٧] وَقَالَ: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ [الْبَقَرَة: ٢٣٢] فَحَدَّدَ اللَّهُ لِمُعَامَلَاتِ النِّسَاءِ حُدُودًا، وَشَرَعَ لَهُنَّ أَحْكَامًا، قَدْ أَعْلَنَتْهَا عَلَى الْإِجْمَالِ هَذِهِ الْآيَةُ الْعَظِيمَةُ، ثُمَّ فَصَّلَتْهَا الشَّرِيعَةُ تَفْصِيلًا، وَمِنْ لَطَائِفِ الْقُرْآنِ فِي التَّنْبِيهِ إِلَى هَذَا عَطْفُ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ أَوِ الْفَضَائِلِ، وَعَطْفُ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ.
وَقَوْلُهُ: بِالْمَعْرُوفِ الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَعْرِفُهُ الْعُقُولُ السَّالِمَةُ، الْمُجَرَّدَةُ مِنَ الِانْحِيَازِ إِلَى الْأَهْوَاءِ، أَوِ الْعَادَاتِ أَوِ التَّعَالِيمِ الضَّالَّةِ، وَذَلِكَ هُوَ الْحَسَنُ وَهُوَ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا، أَوِ اقْتَضَتْهُ الْمَقَاصِدُ الشَّرْعِيَّةُ أَوِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ، الَّتِي لَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يُعَارِضُهَا. وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْمَعْرُوفَ عَلَى مَا قَابَلَ الْمُنْكَرَ أَيْ وَلِلنِّسَاءِ مِنَ الْحُقُوقِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ مُلَابِسًا ذَلِكَ دَائِمًا لِلْوَجْهِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ شَرْعًا وَعَقْلًا، وَتَحْتَ هَذَا تَفَاصِيلُ كَبِيرَةٌ تُؤْخَذُ مِنَ الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ مَجَالٌ لِأَنْظَارِ الْمُجْتَهِدِينَ. فِي مُخْتَلَفِ الْعُصُورِ وَالْأَقْطَارِ.
فَقَوْلُ مَنْ يَرَى أَنَّ الْبِنْتَ الْبِكْرَ يُجْبِرُهَا أَبُوهَا عَلَى النِّكَاحِ، قَدْ سَلَبَهَا حَقَّ الْمُمَاثَلَةِ لِلِابْنِ، فَدَخَلَ ذَلِكَ تَحْتَ الدَّرَجَةِ، وَقَوْلُ مَنْ مَنَعَ جَبْرَهَا وَقَالَ لَا تُزَوَّجُ إِلَّا بِرِضَاهَا قَدْ أَثْبَتَ لَهَا
حَقَّ الْمُمَاثَلَةِ لِلذَّكَرِ، وَقَوْلُ مَنْ مَنَعَ الْمَرْأَةَ مِنَ التَّبَرُّعِ بِمَا زَاد على ثلاثها إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا قَدْ سَلَبَهَا حَقَّ الْمُمَاثَلَةِ لِلرَّجُلِ، وَقَوْلُ مَنْ جَعَلَهَا كَالرَّجُلِ فِي تَبَرُّعِهَا بِمَا لَهَا قَدْ أَثْبَتَ لَهَا حَقَّ الْمُمَاثَلَةِ لِلرَّجُلِ، وَقَوْلُ مَنْ جَعَلَ لِلْمَرْأَةِ حَقَّ الْخِيَارِ فِي فِرَاقِ زَوْجِهَا إِذَا كَانَتْ بِهِ عَاهَةٌ قَدْ جَعَلَ لَهَا حَقَّ الْمُمَاثَلَةِ وَقَوْلُ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا ذَلِكَ قَدْ سَلَبَهَا هَذَا الْحَقَّ. وَكُلٌّ يَنْظُرُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَوْ مِنَ الْمُنْكَرِ. وَهَذَا الشَّأْنُ فِي كُلِّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ حُقُوقِ الصِّنْفَيْنِ، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ تَسْوِيَةٍ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، أَوْ مِنْ تَفْرِقَةٍ، كُلُّ ذَلِكَ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى تَحْقِيقِ قَوْلِهِ تَعَالَى: بِالْمَعْرُوفِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا فَكُونُوا مِنْ ذَلِكَ بِمَحَلِّ التَّيَقُّظِ، وَخُذُوا بِالْمَعْنَى دُونَ التَّلَفُّظِ.
وَدِينُ الْإِسْلَامِ حَرِيٌّ بِالْعِنَايَةِ بِإِصْلَاحِ شَأْنِ الْمَرْأَةِ، وَكَيْفَ لَا وَهِيَ نِصْفُ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ، وَالْمُرَبِّيَةُ الْأُولَى، الَّتِي تُفِيضُ التَّرْبِيَةَ السَّالِكَةَ إِلَى النُّفُوسِ قَبْلَ غَيْرِهَا، وَالَّتِي تُصَادِفُ عُقُولًا لَمْ تَمَسَّهَا وَسَائِلُ الشَّرِّ، وَقُلُوبًا لَمْ تَنْفُذْ إِلَيْهَا خَرَاطِيمُ الشَّيْطَانِ. فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ التَّرْبِيَةُ خَيْرًا، وَصِدْقًا، وَصَوَابًا، وَحَقًّا، كَانَتْ أَوَّلُ مَا يَنْتَقِشُ فِي تِلْكَ الْجَوَاهِرِ الْكَرِيمَةِ، وَأَسْبَقَ مَا يَمْتَزِجُ بِتِلْكَ الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ، فَهَيَّأَتْ لِأَمْثَالِهَا، مِنْ خَوَاطِرِ الْخَيْرِ، مَنْزِلًا رَحْبًا، وَلَمْ تُغَادِرْ لِأَغْيَارِهَا مِنَ الشُّرُورِ كَرَامَةً وَلَا حُبًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute