للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنِّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَرِيبًا مِنْهُ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي «مُسْتَدْرَكِهِ» إِلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لِلطَّلَاقِ وَقْتٌ يُطَلِّقُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَكَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ أَهْلِهِ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ:

وَاللَّهُ لَا تَرَكْتُكِ لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ زَوْجٍ فَجَعَلَ يُطَلِّقُهَا حَتَّى إِذَا كَادَتِ الْعِدَّةُ أَنْ تَنْقَضِيَ رَاجَعَهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ، وَفِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ تُقَارِبُ هَذِهِ، وَفِي «سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ» : بَابُ نَسْخِ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ وَأَخْرَجَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَنُسِخَ ذَلِكَ وَنَزَلَ الطَّلاقُ مَرَّتانِ، فَالْآيَةُ عَلَى هَذَا إِبْطَالٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَحْدِيدٌ لِحُقُوقِ الْبُعُولَةِ فِي الْمُرَاجَعَةِ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي قَوْلِهِ (الطَّلَاقُ) تَعْرِيفُ الْجِنْسِ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ فِي تَعْرِيفِ الْمَصَادِرِ وَفِي مَسَاقِ التَّشْرِيعِ، فَإِنَّ التَّشْرِيعَ يَقْصِدُ بَيَانَ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ، نَحْوَ قَوْلِهِ: وَأَحَلَّ اللَّهُ

الْبَيْعَ

[الْبَقَرَة: ٢٧٥] وَقَوْلِهِ: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ [الْبَقَرَة: ٢٢٧] وَهَذَا التَّعْرِيفُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» إِلَى اخْتِيَارِهِ، فَالْمَقْصُودُ هُنَا الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ الَّذِي سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ [الْبَقَرَة: ٢٢٨] فَإِنَّهُ الطَّلَاقُ الْأَصْلِيُّ، وَلَيْسَ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ طَلَاقٌ بَائِنٌ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْمُرَاجَعَةِ لِذَاتِهِ، إِلَّا الطَّلْقَةُ الْوَاقِعَةُ ثَالِثَةً، بَعْدَ سَبْقِ طَلْقَتَيْنِ قَبْلَهَا فَإِنَّهَا مُبِينَةٌ بَعْدُ وَأَمَّا مَا عَدَاهَا مِنَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ الثَّابِتِ بِالسَّنَةِ، فَبَيْنُونَتُهُ لِحَقٍّ عَارِضٍ كَحَقِّ الزَّوْجَةِ فِيمَا تُعْطِيهِ مِنْ مَالِهَا فِي الْخُلْعِ، وَمِثْلِ الْحَقِّ الشَّرْعِيِّ فِي تَطْلِيقِ اللِّعَانِ، لِمَظِنَّةِ انْتِفَاءِ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ بَعْدَ أَنْ تَلَاعَنَا، وَمِثْلِ حَقِّ الْمَرْأَةِ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ لَهَا بِالطَّلَاقِ لِلْإِضْرَارِ بِهَا، وَحَذَفَ وَصْفَ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ السِّيَاقَ دَالٌّ عَلَيْهِ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ:

الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ مَرَّتَانِ. وَقَدْ أَخْبَرَ عَنِ الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ مَرَّتَانِ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّقْدِيرَ: حَقُّ الزَّوْجِ فِي إِيقَاعِ التَّطْلِيقِ الرَّجْعِيِّ مَرَّتَانِ، فَأَمَّا الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ فَلَيْسَتْ بِرَجْعِيَّةٍ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ الْمَرَّتَيْنِ: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [الْبَقَرَة: ٢٣٠] الْآيَةَ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا التَّفْسِيرِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ»

وَسُؤَالُ الرَّجُلِ