للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- ٧٤٣ -

أَن يكون الْمَحْمُود فَاعِلا بِالِاخْتِيَارِ وَإِن لم يكن الْمَحْمُود عَلَيْهِ اختياريًا. وَعِنْدِي أَن الْجَواب أَن نقُول: إِن شَرط الِاخْتِيَارِيّ فِي حَقِيقَة الْحَمد - عِنْد مثبته- لإِخْرَاج الصِّفَات غير الاختيارية، لِأَن غير الِاخْتِيَارِيّ فِينَا لَيْسَ من صِفَات الْكَمَال إِذْ لَا تترتب عَلَيْهَا الْآثَار الْمُوجبَة للحمد، فَكَانَ شَرط الِاخْتِيَار فِي حمدنا زِيَادَة فِي تحقق كَمَال الْمَحْمُود، أما عدم الِاخْتِيَار الْمُخْتَص بِالصِّفَاتِ الذاتية الإلهية فَإِنَّهُ لَيْسَ عبارَة عَن نقص فِي صِفَاته، وَلكنه كَمَال نَشأ من وجوب الصّفة للذات لقدم الصّفة فَعدم الِاخْتِيَار فِي صِفَات الله تَعَالَى زِيَادَة فِي الْكَمَال لِأَن أَمْثَال تِلْكَ الصِّفَات فِينَا لَا تكون وَاجِبَة للذات مُلَازمَة لَهَا، فَكَانَ عدم الِاخْتِيَار فِي صِفَات الله تَعَالَى دَلِيلا على زِيَادَة الْكَمَال، وَفينَا دَلِيلا على النَّقْص. وَمَا كَانَ نقصا فِينَا بِاعْتِبَار مَا، قد يكون كمالا لله تَعَالَى بِاعْتِبَار آخر، مثل عدم الْوَلَد، فَلَا حَاجَة إِلَى الْأَجْوِبَة المبنية على التَّنْزِيل إِمَّا بِاعْتِبَار الصّفة أَو بِاعْتِبَار الْمَوْصُوف، على أَن تَوْجِيه الثَّنَاء إِلَى الله تَعَالَى بمادة (حمد) هُوَ أقْصَى مَا تسمى بِهِ اللُّغَة الْمَوْضُوعَة لأَدَاء الْمعَانِي المتعارفة لَدَى أهل تِلْكَ اللُّغَة، فَلَمَّا طرأت عَلَيْهِم المدارك الْمُتَعَلّقَة بالحقائق الْعَالِيَة عبر لَهُم عَنْهَا بأقصى مَا يقربهَا من كَلَامهم. وَيَقُول فِي خلق الْأَفْعَال وَقَضِيَّة اللطف وَهُوَ كَلَام يشم مِنْهُ رَائِحَة الاعتزال:

{فَزَادَهُم الله مَرضا} وَإِنَّمَا أسندت زِيَادَة مرض قُلُوبهم إِلَى الله تَعَالَى مَعَ أَن زِيَادَة هاته الْأَمْرَاض القلبية من ذَاتهَا، لِأَن الله تَعَالَى لما خلق هَذَا التولد وأسبابه وَكَانَ أمره خفِيا، نبه النَّاس على خطر الاسترسال فِي النوايا الخبيثة والأعمال الْمُنكرَة، وَأَنه من شَأْنه أَن يزِيد تِلْكَ النوايا تمَكنا من الْقلب فيعسر أَو يتَعَذَّر الإقلاع عَنْهَا بعد تمكنها، وأسندت تِلْكَ الزِّيَادَة إِلَى اسْمه تَعَالَى لِأَن الله غضب عَلَيْهِم فأهملهم وشأنهم وَلم يتداركهم بِلُطْفِهِ الَّذِي يوقظهم من غفلاتهم لينبه الْمُسلمين إِلَى خطر أمرهَا وَأَنَّهَا مِمَّا يعسر إقلاع أَصْحَابهَا عَنْهَا ليَكُون حذرهم من معاملتهم أَشد مَا يُمكن.

وَله كَلَام جيد فِي تَقْدِير الْمَحْذُوف فِي لَا إِلَه إِلَّا الله:

قَالَ: قد أفادت