للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّذِينَ يُكْثِرُونَ تَزَوُّجَ النِّسَاءِ وَتَبْدِيلَهُنَّ، وَيَكْثُرُ النَّهْيُ عَنِ الطَّلَاقِ حَتَّى قَدْ يُظَنُّ مُحَرَّمًا، فَأَبَانَتِ الْآيَةُ إِبَاحَتَهُ بِنَفْيِ الْجُنَاحِ بِمَعْنَى الْوِزْرِ.

وَالنِّسَاءُ: الْأَزْوَاجُ، وَالتَّعْرِيفُ فِيهِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، فَهُوَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ، أَيْ لَا جُنَاحَ فِي تَطْلِيقِكِمُ الْأَزْوَاجَ، وَ (مَا) ظَرْفِيَّةٌ مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْمَسِيسُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ قُرْبَانِ الْمَرْأَةِ.

وَ (أَو) فِي قَوْله: أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً عاطفة على تَمَسُّوهُنَّ الْمَنْفِيّ، و (أَوْ) إِذَا وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تُفِيدُ مُفَادَ وَاوِ الْعَطْفِ فَتَدُلُّ عَلَى انْتِفَاء الْمَعْطُوف والمعطوق عَلَيْهِ

مَعًا، وَلَا تُفِيدُ الْمُفَادَ الَّذِي تُفِيدُهُ فِي الْإِثْبَاتِ، وَهُوَ كَوْنُ الْحُكْمِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي «أَمَالِيهِ» وَصَرَّحَ بِهِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي «شَرْحِ الْكَشَّافِ» ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّاغِبِ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ لِأَنَّ مُفَادَ «أَوْ» فِي الْإِثْبَاتِ نَظِيرُ مُفَادِ النَّكِرَةِ وَهُوَ الْفَرْدُ الْمُبْهَمُ، فَإِذَا دَخَلَ النَّفْيُ اسْتَلْزَمَ نَفْيَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَلِهَذَا كَانَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الْإِنْسَان: ٢٤] النَّهْيَ عَنْ طَاعَةِ كِلَيْهِمَا، لَا عَنْ طَاعَةِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا انْبَنَتِ الْمَسْأَلَةُ الْأُصُولِيَّةُ وَهِيَ: هَلْ وَقَعَ فِي اللُّغَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمٍ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِحَرْفِ أَوْ، وَإِنَّ أَوْ إِذَا وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ كَانَتْ كَالَّتِي تَقَعُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ.

وَجَعَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» (أَوْ) فِي قَوْلِهِ: أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً بِمَعْنَى إِلَّا أَوْ حَتَّى، وَهِيَ الَّتِي يَنْتَصِبُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا بِأَنْ وَاجِبَةَ الْإِضْمَارِ، بِنَاءً عَلَى إِمْكَانِهِ هُنَا وَعَلَى أَنَّهُ أَبْعَدُ عَنِ الْخَفَاءِ فِي دَلَالَةِ أَوْ الْعَاطِفَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، عَلَى انْتِفَاءِ كِلَا الْمُتَعَاطِفَيْنِ إِذْ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا لِنَفْيِ أَحَدِهِمَا كَشَأْنِهَا فِي الْإِثْبَاتِ، وَبِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً حَيْثُ اقْتَصَرَ فِي التَّفْصِيلِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: وَهُوَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْمَسِيسِ مَعَ فَرْضِ الصَّدَاقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ فَرْضِ الصَّدَاقِ، فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الصُّورَةَ لَمْ تَدْخُلْ فِي التَّقْسِيمِ السَّابِقِ، وَذَلِكَ أَنْسَبُ بِأَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِثْنَاءِ أَوِ الْغَايَةِ، لَا لِلْعَطْفِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَشَّافِ أَهْمَلَ تَقْدِيرَ الْعَطْفِ لِعَدَمِ اسْتِقَامَتِهِ، بَلْ لِأَنَّ غَيْرَهُ هُنَا أَوْضَحُ وَأَنْسَبُ، يَعْنِي وَالْمُرَادُ قَدْ ظَهَرَ مِنَ الْآيَةِ ظُهُورًا لَا يَدْعُ لِتَوَهُّمِ قَصْدِ نَفْيِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ خُطُورًا بِالْأَذْهَانِ، وَلِهَذَا اسْتَدْرَكَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فَجَوَّزَ تَقْدِيرَهَا عَاطِفَةً فِي هَذِهِ الْآيَةِ.