للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِتَدْبِيرِ الْخَلْقِ، أَيْ لِأَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ يَقْتَضِي أَنْ لَا مُدَبِّرَ غَيْرَهُ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ خِلَافًا لِمَا قَرَّرَ بِهِ التَّفْتَازَانِيُّ كَلَامَهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِعِبَارَتِهِ.

وَالْحَيُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْحَيَاةُ، وَهِيَ صِفَةٌ بِهَا الْإِدْرَاكُ وَالتَّصَرُّفُ، أَعْنِي كَمَالَ الْوُجُودِ الْمُتَعَارَفِ، فَهِيَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ بِانْبِثَاثِ الرُّوحِ وَاسْتِقَامَةِ جَرَيَانِ الدَّمِ فِي الشَّرَايِينِ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَالِقِ مَا يُقَارِبُ أَثَرَ صِفَةِ الْحَيَاةِ فِينَا، أَعْنِي انْتِفَاءَ الْجَمَادِيَّةِ مَعَ التَّنْزِيهِ عَنْ عَوَارِضِ الْمَخْلُوقَاتِ. وَفَسَرَّهَا الْمُتَكَلِّمُونَ بِأَنَّهَا «صِفَةٌ تُصَحِّحُ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ الْإِدْرَاكَ وَالْفِعْلَ» .

وَفَسَّرَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» الْحَيَّ بِالْبَاقِي، أَيِ الدَّائِمِ الْحَيَاةِ بِحَيْثُ لَا يَعْتَرِيهِ الْعَدَمُ، فَيَكُونُ مُسْتَعْمَلًا كِنَايَةً فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ لِأَنَّ إِثْبَاتَ الْحَيَاةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَكُونُ إِلَّا مَجَازًا أَوْ كِنَايَةً. وَقَالَ الْفَخْرُ: «الَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْحَيَّ- فِي أَصْلِ اللُّغَةِ- لَيْسَ عِبَارَةً

عَنْ صِحَّةِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَة. بل عبار عَنْ كَمَالِ الشَّيْءِ فِي جِنْسِهِ، قَالَ تَعَالَى: فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [الجاثية: ٥] ، وَحَيَاةُ الْأَشْجَارِ إِيرَاقُهَا. فَالصِّفَةُ الْمُسَمَّاةُ- فِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ- بِالْحَيَاةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ كَمَالَ حَالِ الْجِسْمِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِهَا، فَالْمَفْهُومُ الْأَصْلِيُّ مِنْ لَفْظِ الْحَيِّ كَوْنُهُ وَاقِعًا عَلَى أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ وَصِفَاتِهِ» .

وَالْمَقْصُودُ بِوَصْفِ اللَّهِ هُنَا بِالْحَيِّ إِبْطَالُ عَقِيدَةِ الْمُشْرِكِينَ إِلَاهِيَّةَ أَصْنَامِهِمُ الَّتِي هِيَ جَمَادَاتٌ، وَكَيْفَ يَكُونُ مُدَبِّرُ أُمُورِ الْخَلْقِ جَمَادًا.

وَالْحَيُّ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ حَيِيَ، أَصْلُهُ حَيِيٌ كَحَذِرٍ أُدْغِمَتِ الْيَاءَانِ، وَهُوَ يَائِيٌّ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَأَمَّا كِتَابَةُ السَّلَفِ فِي الْمُصْحَفِ كَلِمَةَ حَيَوةٍ بِوَاوٍ بَعْدَ الْيَاءِ فَمُخَالِفَةٌ لِلْقِيَاسِ، وَقِيلَ كَتَبُوهَا عَلَى لُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ حَيَوةً أَيْ حَيَاةً، وَقِيلَ كَتَبُوهَا عَلَى لُغَةِ تَفْخِيمِ الْفَتْحَةِ.

والقيّوم فَيْعُولٌ مِنْ قَامَ يَقُومُ وَهُوَ وَزْنُ مُبَالغَة، وَأَصله فيووم فَاجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتَا، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْقِيَامِ الْمُسْتَعْمَلِ- مَجَازًا مَشْهُورًا- فِي تَدْبِير شؤون النَّاسِ، قَالَ تَعَالَى: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرَّعْد: ٣٣] . وَالْمَقْصُودُ إِثْبَاتُ عُمُومِ الْعِلْمِ لَهُ وَكَمَالُ الْحَيَاة وَإِبْطَال إلاهية