للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَصْنَامِ الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ مُدَبِّرَ الْكَوْنِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا جَعَلُوا آلِهَتَهُمْ شُفَعَاءَ وَشُرَكَاءَ وَمُقْتَسِمِينَ أُمُورَ الْقَبَائِلِ. وَالْمُشْرِكُونَ مِنَ الْيُونَانِ كَانُوا قَدْ جَعَلُوا لِكُلِّ إِلَهٍ مِنْ آلِهَتِهِمْ أَنْوَاعًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا وَأُمَمًا مِنَ الْبَشَرِ تَنْتَمِي إِلَيْهِ وَيَحْنَأُ عَلَيْهَا.

وَجُمْلَةُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ «اللَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» وَلِرَفْعِ احْتِمَالِ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا، فَالْجُمْلَةُ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ لِمَعْنَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا.

والسّنة فِعْلَةٌ مِنَ الْوَسَنِ، وَهُوَ أَوَّلُ النَّوْمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلهَا اسْم هيأة كَسَائِرِ مَا جَاءَ عَلَى وَزْنِ فِعْلَةٍ من الواوي لفاء، وَقَدْ قَالُوا وَسَنَةٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى صِيغَةِ الْمَرَّةِ. وَالسِّنَةُ أَوَّلُ النَّوْمِ، قَالَ عَدِيُّ بْنُ الرِّقَاعِ:

وَسْنَانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ ... فِي عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ

وَالنَّوْمُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ فُتُورٌ يَعْتَرِي أَعْصَابَ الدِّمَاغِ مِنْ تَعَبِ إِعْمَالِ الْأَعْصَابِ من

تَصَاعُدِ الْأَبْخِرَةِ الْبَدَنِيَّةِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْهَضْمِ وَالْعَمَلِ الْعَصَبِيِّ، فَيَشْتَدُّ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ وَمَجِيءِ الظُّلْمَةِ فَيَطْلُبُ الدِّمَاغُ وَالْجِهَازُ الْعَصَبِيُّ الَّذِي يُدَبِّرُهُ الدِّمَاغُ اسْتِرَاحَةً طَبِيعِيَّةً فَيَغِيبُ الْحِسُّ شَيْئًا فَشَيْئًا وَتَثْقُلُ حَرَكَةُ الْأَعْضَاءِ، ثُمَّ يَغِيبُ الْحِسُّ إِلَى أَنْ تَسْتَرْجِعَ الْأَعْصَابُ نَشَاطَهَا فَتَكُونَ الْيَقَظَةُ.

وَنَفْيُ اسْتِيلَاءِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تَحْقِيقٌ لِكَمَالِ الْحَيَاةِ وَدَوَامِ التَّدْبِيرِ، وَإِثْبَاتٌ لِكَمَالِ الْعِلْمِ فَإِنَّ السِّنَةَ وَالنَّوْمَ يُشْبِهَانِ الْمَوْتَ، فَحَيَاةُ النَّائِمِ فِي حَالِهِمَا حَيَاةٌ ضَعِيفَةٌ، وَهُمَا يَعُوقَانِ عَنِ التَّدْبِيرِ وَعَنِ الْعِلْمِ بِمَا يَحْصُلُ فِي وَقْتِ اسْتِيلَائِهِمَا عَلَى الْإِحْسَاسِ.

وَنَفْيُ السِّنَةِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُغْنِي عَنْ نَفْيِ النَّوْمِ عَنْهُ لِأَنَّ مِنَ الْأَحْيَاءِ مَنْ لَا تَعْتَرِيهِ السِّنَةُ فَإِذَا نَامَ نَامَ عَمِيقًا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَأْخُذُهُ السِّنَةُ فِي غَيْرِ وَقْتِ النَّوْمِ غَلَبَةً، وَقَدْ تَمَادَحَتِ الْعَرَبُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى السَهَرِ، قَالَ أَبُو كَبِيرٍ:

فَأَتَتْ بِهِ حُوشَ الْفُؤَادِ مُبَطَّنًا ... سُهُدًا إِذَا مَا نَامَ لَيْلُ الْهَوْجَلِ