للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْكُفَّارِ، إِلْجَاءً لِأُولَئِكَ الْكُفَّارِ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ الْآيَاتِ، أَيْ هُدَى الْكُفَّارِ إِلَى الْإِسْلَامِ، أَيْ فَرَخِّصْ لِلْمُسْلِمِينَ الصَّدَقَةَ على أُولَئِكَ الْكَفَرَة.

فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى مَعْلُومٍ لِلْمُخَاطَبِ. فَيَكُونُ نُزُولُ الْآيَةِ لِذَلِكَ السَّبَبِ نَاشِئًا عَنْ نُزُولِ آيَاتِ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ وَالصَّدَقَةِ، فَتَكُونُ الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ سَبَبَ السَّبَبِ لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ.

وَالْمَعْنَى أَنْ لَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ تَهْدِيَهُمْ بِأَكْثَرَ مِنَ الدَّعْوَةِ وَالْإِرْشَادِ، دُونَ هُدَاهُمْ بِالْفِعْلِ أَوِ الْإِلْجَاءِ إِذْ لَا هَادِيَ لِمَنْ يُضْلِلُ اللَّهُ، وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا بِمُيَسَّرٍ لِلْهُدَى.

وَالْخِطَابُ فِي لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي مُعَادِ ضَمِيرِ هُدَاهُمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِمَنْ يَسْمَعُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي فِي الضَّمِيرِ إِذَا اعْتَبَرْنَا مَا ذَكَرُوهُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ، أَيْ لَيْسَ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُتَرَدِّدُ فِي إِعْطَاءِ قَرِيبِكَ.

وَ (عَلَى) فِي قَوْلِهِ عَلَيْكَ لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ، أَيْ طَلَبِ فِعْلٍ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ.

وَالْمَعْنَى لَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَى الرَّسُولِ، فَلَا يَحْزَنُ عَلَى عَدَمِ حُصُولِ هُدَاهُمْ لِأَنَّهُ أَدَّى وَاجِبَ التَّبْلِيغِ، أَوِ الْمَعْنَى لَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُعَالِجِينَ لِإِسْلَامِهِمْ بِالْحِرْمَانِ مِنَ الْإِنْفَاقِ حَتَّى تَسْعَوْا إِلَى هُدَاهُمْ بِطُرُقِ الْإِلْجَاءِ.

وَتَقْدِيمُ الظَّرْفِ وَهُوَ عَلَيْكَ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَهُوَ هُداهُمْ إِذَا أُجْرِيَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ الْمُسْنَدِ الَّذِي حَقُّهُ التَّأْخِيرُ يُفِيدُ قَصْرَ الْمسند إِلَيْهِ إِلَى الْمُسْنَدِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْإِثْبَاتِ بَيِّنًا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ نَحْوَ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الْكَافِرُونَ: ٦]

وَقَوْلِهِ: لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ [الْبَقَرَة: ٢٨٦] ، فَهُوَ إِذَا وَقَعَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ غَيْرُ بَيِّنٍ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ التَّقْدِيمُ فِي صُورَةِ الْإِثْبَاتِ مُفِيدًا لِلْحَصْرِ اقْتَضَى أَنَّهُ إِذَا نُفِيَ فَقَدْ نُفِيَ ذَلِكَ الِانْحِصَارُ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْمُكَيَّفَةَ بِالْقَصْرِ فِي حَالَةِ الْإِثْبَاتِ هِيَ جُمْلَةٌ مُقَيَّدَةٌ نِسْبَتُهَا بِقَيْدِ الِانْحِصَارِ أَيْ بِقَيْدِ انْحِصَارِ مَوْضُوعِهَا فِي مَعْنَى مَحْمُولِهَا. فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّفْيُ كَانَ مُقْتَضِيًا نَفْيَ النِّسْبَةِ الْمُقَيَّدَةِ، أَيْ نَفْيَ ذَلِكَ الِانْحِصَارِ، لِأَنَّ شَأْنَ النَّفْيِ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى كَلَامٍ مُقَيَّدٍ أَنْ يَنْصَبَّ عَلَى ذَلِكَ الْقَيْدِ.