وَقَوْلُهُ: وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ جِيءَ فِيهِ بِحَرْفِ الِاسْتِدْرَاكِ لِمَا فِي الْكَلَامِ الْمَنْفِيِّ مِنْ تَوَهُّمِ إِمْكَانِ هَدْيِهِمْ بِالْحِرْصِ أَوْ بِالْإِلْجَاءِ، فَمَصَبُّ الِاسْتِدْرَاكِ هُوَ الصِّلَةُ، أَعْنِي مَنْ يَشاءُ أَيْ فَلَا فَائِدَةَ فِي إِلْجَاءِ مَنْ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ هَدْيَهُ. وَالتَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّ هُدَاهُمْ بِيَدِ اللَّهِ، وَهُوَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ هَدَاهُمْ.
وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ.
عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ [الْبَقَرَة: ٢٧١] وموقعها زِيَادَة بَيَان فَضْلِ الصَّدَقَاتِ كُلِّهَا، وَأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مَنْفَعَتُهَا لِنَفْسِ الْمُتَصَدِّقِ فَلْيَخْتَرْ لِنَفْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْهَا بِنَبْذِ كُلِّ مَا يَدْعُو لِتَرْكِ بَعْضِهَا.
وَقَوْلُهُ: وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَهُوَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ، أَيْ إِنَّمَا تَكُونُ مَنْفَعَةُ الصَّدَقَاتِ لِأَنْفُسِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ لَا لِلرِّيَاءِ وَلَا لِمُرَاعَاةِ حَالِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى صَالِحٌ لِكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ الْمُحْتَمَلَيْنِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَيَجُوزُ كَوْنُهَا مَعْطُوفَةً عَلَيْهَا إِذَا كَانَ الْخَبَرُ بِمَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ لَا تُنْفِقُوا إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ. وَهَذَا الْكَلَامُ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الطَّلَبِ لِقَصْدِ التَّحْقِيقِ وَالتَّأْكِيدِ، وَلِذَلِكَ خُولِفَ فِيهِ أُسْلُوبُ مَا حُفَّ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ- وَجُمْلَةِ- وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ.
وَقَوْلُهُ: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ عَطْفٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا لِبَيَانِ أَنَّ جَزَاءَ النَّفَقَاتِ بِمِقْدَارِهَا وَأَنَّ مَنْ نُقِصَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ فَهُوَ السَّاعِي فِي نَقْصِهِ. وَكَرَّرَ فِعْلَ تُنْفِقُونَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي الْآيَةِ لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ بِمَدْلُولِهِ وَجِيءَ بِهِ مَرَّتَيْنِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ عِنْدَ قَصْدِ بَيَانِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ الْإِنْفَاقِ وَالثَّوَابِ، وَجِيءَ بِهِ مَرَّةً فِي صِيغَةِ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْخَبَرَ بِمَعْنَى الْإِنْشَاءِ، أَيِ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُنْفِقُوا إِلَّا لِابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute