للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنْ

ضَلَّتْ، فَلَمَّا قُدِّمَ إِنْ ضَلَّتْ وَأُبْرِزَ فِي مَعْرِضِ الْعِلَّةِ لَمْ يَصِحَّ الْإِضْمَارُ (أَيْ لعدم تقدم إمعاد) وَلَمْ يَصِحَّ أَنْ تَضِلَّ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ قَبْلَ ذِكْرِ إِحْدَاهُمَا (أَيْ لِأَنَّ الْأُخْرَى لَا يَكُونُ وَصْفًا إِلَّا فِي مُقَابَلَةِ وَصْفِ مُقَابِلٍ مَذْكُور) فأبدل بِإِحْدَاهُمَا (أَيْ أُبْدِلَ موقع لفظ لأخرى بِلَفْظِ إِحْدَاهُمَا) وَلَمْ يُغَيَّرْ مَا هُوَ أَصْلُ العلّة عَن هيأته لِأَنَّهُ كَانَ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَيْهِ، أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما يَعْنِي فَهَذَا وَجْهُ الْإِظْهَارِ.

وَقَالَ الْخَفَاجِيُّ فِي «حَاشِيَةِ التَّفْسِيرِ» «قَالُوا: إِنَّ النُّكْتَةَ الْإِبْهَامُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَرْأَتَيْنِ يَجُوزُ عَلَيْهَا مَا يَجُوزُ عَلَى صَاحِبَتِهَا مِنَ الضَّلَالِ وَالتَّذْكِيرِ، فَدَخَلَ الْكَلَامُ فِي مَعْنَى الْعُمُومِ» يَعْنِي أَنَّهُ أَظْهَرَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ لَا تَكُونُ إِلَّا مُذَكِّرَةً الْأُخْرَى، فَلَا تَكُونُ شَاهِدَةً بِالْأَصَالَةِ. وَأَصْلُ هَذَا الْجَوَابِ لِشِهَابِ الدِّينِ الْغَزْنَوِيِّ عَصْرِيِّ الْخَفَاجِيِّ عَنْ سُؤَالٍ وَجَّهَهُ إِلَيْهِ الْخَفَاجِيُّ، وَهَذَا السُّؤَالُ:

يَا رَأْسَ أَهْلِ الْعُلُومِ السَّادَةِ الْبَرَرَهْ ... وَمَنْ نَدَاهُ عَلَى كُلِّ الْوَرَى نَشَرَهْ

مَا سِرُّ تَكْرَارِ إِحْدَى دُونَ تُذْكِرُهَا ... فِي آيَةٍ لِذَوِي الْأَشْهَادِ فِي الْبَقَرَهْ

وَظَاهِرُ الْحَالِ إِيجَازُ الضَّمِيرِ عَلَى ... تَكْرَارِ إِحْدَاهُمَا لَوْ أَنَّهُ ذَكَرَهْ

وَحَمْلُ الْإِحْدَى عَلَى نَفْسِ الشَّهَادَةِ فِي ... أُولَاهُمَا لَيْسَ مَرْضِيًّا لَدَى الْمَهَرَهْ

فَغُصْ بِفِكْرِكَ لِاسْتِخْرَاجِ جَوْهَرِهِ ... مِنْ بَحْرِ عِلْمِكَ ثُمَّ ابْعَثْ لَنَا دُرَرَهْ

فَأَجَابَ الْغَزْنَوِيُّ:

يَا مَنْ فَوَائِدُهُ بِالْعِلْمِ مُنْتَشِرَهْ ... وَمَنْ فَضَائِلُهُ فِي الْكَوْنِ مُشْتَهِرَهْ

تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَالْقَوْلُ مُحْتَمِلٌ ... كِلَيْهِمَا فَهْيَ لِلْإِظْهَارِ مُفْتَقِرَهْ

وَلَوْ أَتَى بِضَمِيرٍ كَانَ مُقْتَضِيًا ... تَعْيِينَ وَاحِدَةٍ لِلْحُكْمِ مُعْتَبَرَهْ

وَمَنْ رَدَدْتُمْ عَلَيْهِ الْحَلَّ فَهْوَ كَمَا ... أَشَرْتُمُ لَيْسَ مَرْضِيًّا لِمَنْ سَبَرَهْ

هَذَا الَّذِي سَمَحَ الذِّهْنُ الْكَلِيلُ بِهِ ... وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي الْفَحْوَى بِمَا ذَكَرَهْ

وَقَدْ أَشَارَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ إِلَى رَدٍّ عَلَى جَوَابٍ لِأَبِي الْقَاسِمِ الْمَغْرِبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ (١) إِذْ جَعَلَ إِحْدَاهُمَا الْأَوَّلَ مُرَادًا بِهِ إِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ، وَجَعَلَ تَضِلَّ بِمَعْنَى تَتْلَفُ بِالنِّسْيَانِ،


(١) هُوَ أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْن بن عَليّ الشهير بالمغربي استوزره البويهي بِبَغْدَاد وَتُوفِّي سنة ٤١٨. [.....]