وَجَعَلَ إِحْدَاهُمَا الثَّانِيَ مُرَادًا بِهِ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ. وَلَمَّا اخْتَلَفَ الْمَدْلُولُ لَمْ يَبْقَ إِظْهَارٌ فِي
مَقَامِ الْإِضْمَارِ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ وَتَشْتِيتٌ لِلضَّمَائِرِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَيُنَزَّهُ تَخْرِيجُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ الْغَزْنَوِيُّ بِقَوْلِهِ: «وَمَنْ رَدَدْتُمْ عَلَيْهِ الْحَلَّ إِلَخ» .
وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّ هَذَا الْإِظْهَارَ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِنُكْتَةٍ هِيَ قَصْدُ اسْتِقْلَالِ الْجُمْلَةِ بِمَدْلُولِهَا كَيْلَا تَحْتَاجَ إِلَى كَلَامٍ آخَرَ فِيهِ مَعَادُ الضَّمِيرِ لَوْ أُضْمِرَ، وَذَلِكَ يُرَشِّحُ الْجُمْلَةَ لِأَنْ تَجْرِيَ مَجْرَى الْمَثَلِ. وَكَأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ عِلَّةٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ تَعَدُّدِ الْمَرْأَةِ فِي الشَّهَادَةِ، فَالْمَرْأَةُ مُعَرَّضَةٌ لِتَطَرُّقِ النِّسْيَانِ إِلَيْهَا وَقِلَّةِ ضَبْطِ مَا يَهُمُّ ضَبْطُهُ، وَالتَّعَدُّدُ مَظِنَّةٌ لِاخْتِلَافِ مَوَادِّ النَّقْصِ وَالْخَلَلِ، فَعَسَى أَلَّا تَنْسَى إِحْدَاهُمَا مَا نَسِيَتْهُ الْأُخْرَى. فَقَوْلُهُ أَنْ تَضِلَّ تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدَةِ، وَقَوْلُهُ: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى تَعْلِيلٌ لِإِشْهَادِ امْرَأَةٍ ثَانِيَةٍ حَتَّى لَا تَبْطُلَ شَهَادَةُ الْأُولَى مِنْ أَصْلِهَا.
وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا.
عُطِفَ وَلا يَأْبَ عَلَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِاسْتِشْهَادِ شَاهِدَيْنِ نَهَى مَنْ يُطْلَبُ إِشْهَادُهُ عَنْ أَنْ يَأْبَى، لِيَتِمَّ الْمَطْلُوبُ وَهُوَ الْإِشْهَادُ.
وَإِنَّمَا جِيءَ فِي خِطَابِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَجِيءَ فِي خِطَابِ الشُّهَدَاءِ بِصِيغَةِ النَّهْيِ اهْتِمَامًا بِمَا فِيهِ التَّفْرِيطُ. فَإِنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يُظَنُّ بِهِمَا إِهْمَالُ الْإِشْهَادِ فَأُمِرَا بِهِ، وَالشُّهُودُ يُظَنُّ بِهِمُ الِامْتِنَاعُ فَنُهُوا عَنْهُ، وَكُلٌّ يَسْتَلْزِمُ ضِدَّهُ.
وَتَسْمِيَةُ الْمَدْعُوِّينَ شُهَدَاءَ بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ الْقَرِيبِ، وَهُوَ الْمُشَارَفَةُ، وَكَأَنَّ فِي ذَلِكَ نُكْتَةً عَظِيمَةً: وَهِيَ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَتِهِمْ إِلَى الْإِشْهَادِ، قَدْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِمُ الْإِجَابَةُ، فَصَارُوا شُهَدَاءَ.
وَحُذِفَ مَعْمُولُ دُعُوا إِمَّا لِظُهُورِهِ مِنْ قَوْلِهِ- قَبْلَهُ- وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ أَيْ إِذَا مَا دُعُوا إِلَى الشَّهَادَةِ أَيِ التَّحَمُّلِ، وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ، وَالرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَالنَّهْيُ عَنِ الْإِبَايَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ إِلَى الشَّهَادَةِ حَاصِلٌ بِالْأَوْلَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute