وَفِي الْآيَةِ حُجَّةٌ لِجَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِعِلَلٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَهَذَا لَا يَنْبَغِي الِاخْتِلَافُ فِيهِ.
وَاشْتِقَاقُ أَقْسَطُ مِنْ أَقْسَطَ بِمَعْنَى عَدَلَ، وَهُوَ رُبَاعِيٌّ، وَلَيْسَ مِنْ قَسَطَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى جَارَ، وَكَذَا اشْتِقَاقُ أَقْوَمُ مِنْ أَقَامَ الشَّهَادَةَ إِذَا أَظْهَرَهَا جَارٍ عَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ بِجَوَازِ صَوْغِ التَّفْضِيلِ وَالتَّعَجُّبِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ الْمَهْمُوزِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْهَمْزَةُ لِلتَّعْدِيَةِ نَحْوَ أَعْطَى أَمْ لِغَيْرِ التَّعْدِيَةِ نَحْوَ أَفْرَطَ. وَجَوَّزَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنْ يَكُونَ أَقْسَطُ مُشْتَقًّا مِنْ قَاسِطٍ بِمَعْنَى ذِي قِسْطٍ أَيْ صِيغَةِ نَسَبٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ، إِذْ لَيْسَ لِهَذِهِ الزِّنَةِ فِعْلٌ. وَاسْتُشْكِلَ أَيْضًا بِأَنَّ صَوْغَهُ مِنَ الْجَامِدِ أَشَدُّ مِنْ صَوْغِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ. وَالْجَوَابُ عِنْدِي أَنَّ النَّسَبَ هُنَا لَمَّا كَانَ إِلَى الْمَصْدَرِ شَابَهَ الْمُشْتَقَّ: إِذِ الْمَصْدَرُ أَصْلُ الِاشْتِقَاقِ، وَأَنْ يَكُونَ أَقْوَمُ مُشْتَقًّا مِنْ قَامَ الَّذِي هُوَ مُحَوَّلٌ إِلَى وَزْنِ فَعُلَ- بِضَمِّ الْعَيْنِ- الدَّالِّ عَلَى السَّجِيَّةِ، الَّذِي يَجِيءُ مِنْهُ قَوِيمٌ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ.
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها.
اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومِ الْأَحْوَالِ أَوِ الْأَكْوَانِ فِي قَوْلِهِ: صَغِيراً أَوْ كَبِيراً. وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ
قِيلَ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ التِّجَارَةَ الْحَاضِرَةَ لَيْسَتْ مِنَ الدَّيْنِ فِي شَيْءٍ، وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا كَوْنَ تِجَارَةٍ حَاضِرَةٍ.
وَالْحَاضِرَةُ النَّاجِزَةُ، الَّتِي لَا تَأْخِيرَ فِيهَا، إِذِ الْحَاضِرُ، وَالْعَاجِلُ، وَالنَّاجِزُ: مُتَرَادِفَةٌ.
وَالدَّيْنُ، وَالْأَجْلُ، وَالنَّسِيئَةُ: مُتَرَادِفَةٌ.
وَقَوْلُهُ: تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً بَلِ الْبَيَانُ فِي مِثْلِ هَذَا، أَقْرَبُ مِنْهُ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ مِمَّا أَنْشَدَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي نَوَادِرِهِ، وَقَالَ الْعَيْنِيُّ: يُنْسَبُ إِلَى الْفَرَزْدَقِ:
إِلَى اللَّهِ أَشْكُو بِالْمَدِينَةِ حَاجَةً ... وَبِالشَّامِ أُخْرَى كَيْفَ يَلْتَقِيَانِِِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute