وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ.
تَعْمِيمٌ فِي أَكْوَانِ أَوْ أَحْوَالِ الدُّيُونِ الْمَأْمُورِ بِكِتَابَتِهَا، فَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ هُنَا مَجَازَانِ فِي الْحَقِيرِ وَالْجَلِيلِ. وَالْمُعَامَلَاتُ الصَّغِيرَةُ أَكْثَرُ مِنَ الْكَبِيرَةِ، فَلِذَلِكَ نُهُوا عَنِ السَّآمَةِ هُنَا.
وَالسَّآمَةُ: الْمَلَلُ مِنْ تَكْرِيرِ فِعْلٍ مَا.
وَالْخِطَابُ لِلْمُتَدَايِنَيْنِ أَصَالَةً، وَيَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ خِطَابَ الْكَاتِبِ: لِأَنَّ الْمُتَدَايِنَيْنِ إِذَا دَعَوَاهُ لِلْكِتَابَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ.
وَالنَّهْيُ عَنْهَا نهي عَن أَثَرهَا، وَهُوَ تَرْكُ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ السَّآمَةَ تَحْصُلُ لِلنَّفْسِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، فَلَا يُنْهَى عَنْهَا فِي ذَاتِهَا، وَقِيلَ السَّآمَةُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْكَسَلِ وَالتَّهَاوُنِ. وَانْتَصَبَ
صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِير الْمَنْصُوب بتكتبوه، أَوْ عَلَى حَذْفِ كَانَ مَعَ اسْمِهَا.
وَتَقْدِيمُ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ هُنَا، مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ الْعَكْسُ، كَتَقْدِيمِ السِّنَةِ عَلَى النَّوْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [الْبَقَرَة: ٢٥٥] لِأَنَّهُ قَصَدَ هُنَا إِلَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْعُمُومِ لِدَفْعِ مَا يَطْرَأُ مِنَ التَّوَهُّمَاتِ فِي قِلَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِالصَّغِيرِ، وَهُوَ أَكْثَرُ، أَوِ اعْتِقَادِ عَدَمِ وُجُوبِ كِتَابَةِ الْكَبِيرِ، لَوِ اقْتُصِرَ فِي اللَّفْظِ عَلَى الصَّغِيرِ.
وَجُمْلَةُ إِلى أَجَلِهِ حَالٌ مِنَ الضَّمِير الْمَنْصُوب بتكتبوه، أَيْ مُغَيَّى الدَّيْنِ إِلَى أَجْلِهِ الَّذِي تَعَاقَدَا عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ التَّغْيِيَةُ فِي الْكِتَابَةِ.
ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا.
تَصْرِيحٌ بِالْعِلَّةِ لِتَشْرِيعِ الْأَمْرِ بِالْكِتَابَةِ: بِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِيهَا زِيَادَةُ التَّوَثُّقِ، وَهُوَ أَقْسَطُ أَيْ أَشَدُّ قِسْطًا، أَيْ عَدْلًا، لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لِلْحَقِّ، وَأَقَوْمُ لِلشَّهَادَةِ، أَيْ أَعْوَنُ عَلَى إِقَامَتِهَا، وَأَقْرَبُ إِلَى نَفْيِ الرِّيبَةِ وَالشَّكِّ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ عِلَلٍ، وَيُسْتَخْرَجُ مِنْهَا أَنَّ الْمَقْصِدَ الشَّرْعِيَّ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي الْحُقُوقِ بَيِّنَةً، وَاضِحَةً، بَعِيدَةً عَنِ الِاحْتِمَالَاتِ، وَالتَّوَهُّمَاتِ. وَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَذْكُورٌ، فَلِذَلِكَ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِاسْمِ إِشَارَةِ الْوَاحِدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute