كَأُمٍّ لِلْكِتَابِ.
وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنَ الْمُحْكَمَاتِ أُمٌّ لِلْكِتَابِ فِي مَا تَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْمَعْنَى. وَهَذَا كَقَوْلِ النَّابِغَةِ يَذْكُرُ بَنِي أَسَدٍ:
فَهُمْ دِرْعِي الَّتِي اسْتَلْأَمْتُ فِيهَا أَيْ مَجْمُوعُهُمْ كَالدِّرْعِ لِي، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ بِمَنْزِلَةِ حَلْقَةٍ مِنْ حِلَقِ الدِّرْعِ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً [الْفرْقَان: ٧٤] .
وَالْكَلَامُ عَلَى (أُخَرُ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [الْبَقَرَة: ١٨٤] .
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ.
تَفْصِيلٌ لِإِجْمَالٍ اقْتَضَاهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَسَّمَ الْكِتَابَ إِلَى مُحْكَمٍ وَمُتَشَابِهٍ، وَكَانَ ذَلِكَ التَّقْسِيمُ بِاعْتِبَارِ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْمَعَانِي، تَشَوَّفَتِ النَّفْسُ إِلَى مَعْرِفَةِ تَلَقِّي النَّاسِ لِلْمُتَشَابِهِ. أَمَّا الْمُحْكَمُ فَتَلَقِّي النَّاسِ لَهُ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ، وَاقْتَصَرَ فِي التَّفْصِيلِ عَلَى ذِكْرِ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِهِ: وَهُوَ حَالُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ كَيْفَ تَلَقِّيهِمْ لِلْمُتَشَابِهَاتِ لِأَنَّ بَيَانَ هَذَا هُوَ الْأَهَمُّ فِي الْغَرَضِ الْمَسُوقِ لَهُ الْكَلَامُ، وَهُوَ كَشْفُ شُبْهَةِ الَّذِينَ غَرَّتْهُمُ الْمُتَشَابِهَاتُ وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى حَقِّ تَأْوِيلِهَا، وَيُعْرَفُ حَالُ قَسِيمِهِمْ وَهُمُ
الَّذِينَ لَا زَيْغَ فِي قُلُوبِهِمْ بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ ثُمَّ سَيُصَرِّحُ بِإِجْمَالٍ حَالَ الْمُهْتَدِينَ فِي تلقّي ومتشبهات الْقُرْآنِ.
وَالْقُلُوبُ مَحَالُّ الْإِدْرَاكِ، وَهِيَ الْعُقُولُ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٨٣] .
وَالزَّيْغُ: الْمَيْلُ وَالِانْحِرَافُ عَنِ الْمَقْصُودِ: مَا زاغَ الْبَصَرُ [النَّجْم: ١٧] وَيُقَالُ: زَاغَتِ الشَّمْسُ. فَالزَّيْغُ أَخَصُّ مِنَ الْمَيْلِ لِأَنَّهُ مَيْلٌ عَنِ الصَّوَابِ وَالْمَقْصُودِ.
وَالِاتِّبَاعُ هُنَا مَجَازٌ عَنِ الْمُلَازَمَةِ وَالْمُعَاوَدَةِ، أَيْ يَعْكُفُونَ عَلَى الْخَوْضِ فِي الْمُتَشَابِهِ، يُحْصُونَهُ، شُبِّهَتْ تِلْكَ الْمُلَازَمَةُ بِمُلَازَمَةِ التَّابِعِ مَتْبُوعَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute