وَالْوَقُودُ بِفَتْحِ الْوَاوِ مَا يُوقَدُ بِهِ كَالوَضُوءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ: الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَقَوْلُهُ: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ مَوْقِعُ كَافِ التَّشْبِيهِ مَوْقِعُ خَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُشَبَّهُ بِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: دَأْبُهُمْ فِي ذَلِكَ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ، أَيْ عَادَتُهُمْ وَشَأْنُهُمْ كَشَأْنِ آلِ فِرْعَوْنَ.
وَالدَّأْبُ: أَصْلُهُ الْكَدْحُ فِي الْعَمَلِ وَتَكْرِيرُهُ، وَكَأَنَّ أَصْلَ فِعْلِهِ مُتَعَدٍّ، وَلِذَلِكَ جَاءَ مَصْدَرُهُ عَلَى فَعْلٍ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّهَا تَأْتِي مِنْ كَثْرَةِ الْعَمَلِ، فَصَارَ حَقِيقَةً شَائِعَةً قَالَ النَّابِغَةُ:
كَدَأْبِكَ فِي قَوْمٍ أَرَاكَ اصْطَنَعْتَهُمْ
أَيْ عَادَتِكَ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الشَّأْنِ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا
وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، فِي قَوْلِهِ: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَالْمَعْنَى: شَأْنُهُمْ فِي ذَلِكَ كَشَأْنِ آلِ فِرْعَوْنَ إِذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ عَادَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ، وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ عِبْرَةً وَمَوْعِظَةً لِأَنَّهُمْ إِذَا اسْتَقْرَوُا الْأُمَمَ الَّتِي أَصَابَهَا الْعَذَابُ، وَجَدُوا جَمِيعَهُمْ قَدْ تَمَاثَلُوا فِي الْكُفْرِ: بِاللَّهِ، وَبِرُسُلِهِ، وَبِآيَاتِهِ، وَكَفَى بِهَذَا الِاسْتِقْرَاءِ مَوْعِظَةً لِأَمْثَالِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَقَدْ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ بِهِ هُوَ وَعِيدَ الِاسْتِئْصَالِ وَالْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا إِذِ الْأَصْلُ أَنَّ حَالَ الْمُشَبَّهِ، أَظْهَرُ مَنْ حَالِ الْمُشَبَّهِ بِهِ عِنْدَ السَّامِعِ.
وَعَلَيْهِ فَالْأَخْذُ فِي قَوْلِهِ: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ هُوَ أَخْذُ الِانْتِقَامِ فِي الدُّنْيَا كَقَوْلِهِ:
أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الْأَنْعَام: ٤٤، ٤٥] .
وَأُرِيدَ بِآلِ فِرْعَوْنَ فِرْعَوْنُ وَآلِهِ لِأَنَّ الْآلَ يُطْلَقُ عَلَى أَشَدِّ النَّاسِ اخْتِصَاصًا بِالْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَالِاخْتِصَاصُ هُنَا اخْتِصَاصٌ فِي الْمُتَابَعَةِ وَالتَّوَاطُؤِ عَلَى الْكُفْرِ، كَقَوْلِهِ: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غَافِر: ٤٦] فَلِذِكْرِ الْآلِ هُنَا مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ مَا لَيْسَ لِذِكْرِ الْقَوْمِ إِذْ قَوْمُ الرجل قد يخالفون، فَلَا يَدُلُّ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مُسَاوٍ لَهُمْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute