الشُّرُورَ، إِذَا تَسَرَّبَتْ إِلَى النُّفُوسِ، تَعَذَّرَ أَوْ عَسُرَ اقْتِلَاعُهَا مِنْهَا، وَكَانَتِ
الشَّرَائِعُ تَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى مُتَابَعَةِ وَصَايَاهَا بِالْمُبَاشَرَةِ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى الْخَيْرِ بِطَرِيقَتَيْنِ: طَرِيقَةٍ مُبَاشِرَةٍ، وَطَرِيقَةِ سَدِّ الذَّرَائِعِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْفَسَادِ، وَغَالِبُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَأَحْسَبُهَا أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا أُرِيدَ بِالْمُشْتَبِهَاتِ
فِي حَدِيثِ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ»
. الْمَظْهَرُ السَّابِعُ: الرَّأَفَةُ بِالنَّاسِ حَتَّى فِي حَمْلِهِمْ عَلَى مَصَالِحِهِمْ بِالِاقْتِصَارِ فِي التَّشْرِيعِ عَلَى مَوْضِعِ الْمَصْلَحَةِ، مَعَ تَطَلُّبِ إِبْرَازِ ذَلِكَ التَّشْرِيعِ فِي صُورَةٍ لَيِّنَةٍ، وَفِي الْقُرْآنِ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [الْبَقَرَة: ١٨٥]
وَفِي الْحَدِيثِ: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ- وَلَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ»
وَكَانَتِ الشَّرَائِعُ السَّابِقَةُ تَحْمِلُ عَلَى الْمُتَابَعَةِ بِالشِّدَّةِ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ صَالِحَةً لِلْبَقَاءِ لِأَنَّهَا رُوعِيَ فِيهَا حَالُ قَسَاوَةِ أُمَمٍ فِي عُصُورٍ خَاصَّةٍ، وَلَمْ تَكُنْ بِالَّتِي يُنَاسِبُهَا مَا قُدِّرَ مَصِيرُ الْبَشَرِ إِلَيْهِ مِنْ رِقَّةِ الطِّبَاعِ وَارْتِقَاءِ الْأَفْهَامِ.
الْمَظْهَرُ الثَّامِنُ: امْتِزَاجُ الشَّرِيعَةِ بِالسُّلْطَانِ فِي الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ إِذْ لَا مَعْنَى لِلتَّشْرِيعِ إِلَّا تَأْسِيسُ قَانُونٍ لِلْأُمَّةِ، وَمَا قِيمَةُ قَانُونٍ لَا تَحْمِيهِ الْقُوَّةُ وَالْحُكُومَةُ.
وَبِامْتِزَاجِ الْحُكُومَةِ مَعَ الشَّرِيعَةِ أَمْكَنَ تَعْمِيمُ الشَّرِيعَةِ، وَاتِّحَادُ الْأُمَّةِ فِي الْعَمَلِ وَالنِّظَامِ.
الْمَظْهَرُ التَّاسِعُ: صَرَاحَةُ أُصُولِ الدِّينِ، بِحَيْثُ يَتَكَرَّرُ فِي الْقُرْآنِ مَا تُسْتَقْرَى مِنْهُ قَوَاطِعُ الشَّرِيعَةِ، حَتَّى تَكُونَ الشَّرِيعَةُ مَعْصُومَةً مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِلَةِ، وَالتَّحْرِيفَاتِ الَّتِي طَرَأَتْ عَلَى أَهْلِ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ، وَيَزْدَادُ هَذَا بَيَانًا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [آل عمرَان: ٢٠] .
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ.
عَطَفَ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ لِلْإِخْبَارِ عَنْ حَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ سُوءِ تَلَقِّيهِمْ لِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ سُوءِ فَهْمِهِمْ فِي دِينِهِمْ.