للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمُعَاوِيَةُ قَدْ بَرَّزَ فِي خِصَالِ السُّؤْدُدِ الَّتِي هِيَ الِاعْتِمَالُ فِي إِرْضَاءِ النَّاسِ عَلَى أَشْرَفِ الْوُجُوهِ وَلَمْ يُوَاقِعْ مَحْذُورًا» .

وَوَصَفَ اللَّهُ يَحْيَى بِالسَّيِّدِ لِتَحْصِيلِهِ الرِّئَاسَةَ الدِّينِيَّةَ فِيهِ مِنْ صِبَاهُ، فَنَشَأَ مُحْتَرَمًا مِنْ جَمِيعِ قَوْمِهِ قَالَ تَعَالَى: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً [مَرْيَم: ١٢، ١٣] ، وَقَدْ قِيلَ السَّيِّدُ هُنَا الْحَلِيمُ التَّقِيُّ مَعًا: قَالَهُ قَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ. وَقِيلَ الْحَلِيمُ فَقَطْ: قَالَه ابْنُ جُبَيْرٍ. وَقِيلَ السَّيِّدُ هُنَا الشَّرِيفُ: قَالَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَقِيلَ السَّيِّدُ هُنَا الْعَالِمُ: قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَقَتَادَةُ أَيْضًا.

وَعَطْفُ سَيِّدًا عَلَى مُصَدِّقًا، وَعَطْفُ حَصُورًا وَمَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ، يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْعَلِيمِ، وَلَا التَّقِّيِّ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ. والحصور فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلَ رَسُولٍ أَيْ حَصُورٌ عَنْ قُرْبَانِ النِّسَاءِ.

وَذِكْرُ هَذِهِ الصِّفَةِ فِي أَثْنَاءِ صِفَاتِ الْمَدْحِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَدْحًا لَهُ، لِمَا تَسْتَلْزِمُهُ هَذِهِ الصِّفَةُ مِنَ الْبُعْدِ عَنِ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِمُرَاعَاةِ بَرَاءَتِهِ مِمَّا يُلْصِقُهُ أَهْلُ الْبُهْتَانِ بِبَعْضِ أَهْلِ الزُّهْدِ مِنَ التُّهَمِ، وَقَدْ كَانَ الْيَهُودُ فِي عَصْرِهِ فِي أَشَدِّ الْبُهْتَانِ وَالِاخْتِلَاقِ، وَإِمَّا أَلَّا يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِذِكْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ مَدْحًا لَهُ لِأَنَّ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ يَحْيَى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ كَانُوا مُسْتَكْمِلِينَ الْمَقْدِرَةَ عَلَى قُرْبَانِ النِّسَاءِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ هَذِهِ الصِّفَةِ لِيَحْيَى إِعْلَامًا لِزَكَرِيَّاءَ بِأَنَّ اللَّهَ وَهَبَهُ وَلَدًا إِجَابَةً لِدَعْوَتِهِ، إِذْ قَالَ: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي [مَرْيَم: ٥، ٦] وَأَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ مُرَادَهُ تَعَالَى مِنِ انْقِطَاعِ عَقِبِ زَكَرِيَّاءَ لِحِكْمَةٍ عَلِمَهَا، وَذَلِكَ إِظْهَارٌ لِكَرَامَةِ زَكَرِيَّاءَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَوُسِّطَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ بَيْنَ صِفَاتِ الْكَمَالِ تَأْنِيسًا لِزَكَرِيَّاءَ وَتَخْفِيفًا مِنْ وَحْشَتِهِ لِانْقِطَاعِ نَسْلِهِ بَعْدَ يَحْيَى.

وَقَوْلُهُ: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ اسْتِفْهَامٌ مُرَادٌ مِنْهُ التَّعَجُّبُ، قُصِدَ مِنْهُ تَعَرُّفُ إِمْكَانِ الْوَلَدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا سَأَلَ الْوَلَدَ فَقَدْ تَهَيَّأَ لِحُصُولِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ إِلَّا