ومُبارَكاً اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ بَارَكَ الشَّيْءَ إِذَا جَعَلَ لَهُ بَرَكَةً وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي الْخَيْرِ. أَيْ جُعِلَتِ الْبَرَكَةُ فِيهِ بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، إِذْ قَدَّرَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلُهُ مُثَابًا وَمُحَصَّلًا عَلَى خَيْرٍ يَبْلُغُهُ عَلَى مَبْلَغِ نِيَّتِهِ، وَقَدَّرَ لِمُجَاوِرِيهِ وَسُكَّانِ بَلَدِهِ أَنْ يَكُونُوا بِبَرَكَةِ زِيَادَةِ الثَّوَابِ وَرَفَاهِيَةِ الْحَالِ، وَأَمَرَ بِجَعْلِ دَاخِلِهِ آمِنًا، وَقَدَّرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ فَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَرَكَةً. وَسَيَأْتِي مَعْنَى الْبَرَكَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ فِي سُورَةِ
الْأَنْعَامِ [٩٢] .
وَوَصَفَهُ بِالْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ: وَهُدىً مُبَالَغَةً لِأَنَّهُ سَبَبُ هُدَى.
وَجُعِلَ هُدًى لِلْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ: لِأَنَّ شُهْرَتَهُ وَتَسَامُعَ النَّاسِ بِهِ، يَحْمِلُهُمْ عَلَى التَّسَاؤُلِ عَنْ سَبَبِ وَضْعِهِ، وَأَنَّهُ لِتَوْحِيدِ اللَّهِ، وَتَطْهِيرِ النُّفُوسِ مِنْ خُبْثِ الشِّرْكِ فَيَهْتَدِي بِذَلِكَ الْمُهْتَدِي، وَيَرْعَوِي الْمُتَشَكِّكُ.
وَمِنْ بَرَكَةِ ذَاتِهِ أَنَّ حِجَارَتَهُ وَضَعَتْهَا عِنْدَ بِنَائِهِ يَدُ إِبْرَاهِيمَ، وَيَدُ إِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ يَدُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا سِيَّمَا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ. وَانْتَصَبَ مُبارَكاً وَهُدىً عَلَى الْحَالِ مِنَ الْخَبَرِ، وَهُوَ اسْمُ الْمَوْصُولِ.
وَجُمْلَةُ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ اسْتِئْنَافُ ثَنَاءٍ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ بِمَا حَفَّ بِهِ مِنَ الْمَنَاقِبِ وَالْمَزَايَا فَغُيِّرَ الْأُسْلُوبُ لِلِاهْتِمَامِ وَلِذَلِكَ لَمْ تُجْعَلِ الْجُمْلَةُ حَالًا، فَتُعْطَفُ عَلَى الْحَالَيْنِ قَبْلَهَا، لِأَنَّ مُبَارَكًا وَهُدًى وَصْفَانِ ذَاتِيَّانِ لَهُ، وَحَالَانِ مُقَارِنَانِ، وَالْآيَاتُ عَوَارِضُ عَرَضَتْ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ، أَوْ هِيَ حَالٌ ثَالِثَةٌ وَلَمْ تُعْطَفْ بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا جُمْلَةٌ وَمَا قَبْلَهَا مُفْرِدَانِ وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْوَاوَ فِيهَا وَاوُ الْحَالِ، فَتَكُونُ فِي صُورَتِهَا جَارِيَةً عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْأَفْصَحِ فِي مِثْلِهَا مِنْ عَدَمِ الِاقْتِرَانِ بِالْوَاوِ، عَلَى مَا حَقَّقَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ، فَلَوْ قُرِنَتْ بِوَاوِ الْعَطْفِ لَالْتُبِسَتْ بِوَاوِ الْحَالِ، فَكُرِهَتْ فِي السَّمْعِ، فَيَكُونُ هَذَا مِنَ الْقَطْعِ لِدَفْعِ اللَّبْسِ، أَوْ نَقُولُ هِيَ حَالٌ وَلَمْ تُعْطَفْ عَلَى الْأَحْوَالِ الْأُخْرَى لِأَنَّهَا جُمْلَةٌ، فَاسْتَغْنَتْ بِالضَّمِيرِ عَنْ رَابِطِ الْعَطْفِ.
وَوَصْفُ الْآيَاتِ بِبَيِّنَاتٍ لِظُهُورِهَا فِي عِلْمِ الْمُخَاطَبِينَ. وَجِمَاعُ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute