للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(١٢٥)

إِذْ قَدْ كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ لَمْ تَنْكَشِفْ عَنْ نَصْرِ الْمُسْلِمِينَ، عَقَّبَ اللَّهُ ذِكْرَهَا بِأَنْ ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى نَصْرَهُ إِيَّاهُمُ النَّصْرَ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ نَصْرٌ عَظِيمٌ إِذْ كَانَ نَصْرَ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ عَلَى جَيْشٍ كَثِيرٍ، ذِي عُدَدٍ وَافِرَةٍ، وَكَانَ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ سادة قُرَيْش، وأئمّة الشِّرْكِ، وَحَسْبُكَ بِأَبِي جَهْلِ بن هِشَامٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ أَيْ ضُعَفَاءُ.

وَالذُّلُّ ضِدُّ الْعِزِّ فَهُوَ الْوَهَنُ وَالضَّعْفُ. وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِأَنَّ انْهِزَامَ يَوْمِ أُحُدٍ لَا يَفِلُّ حِدَّةَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ صَارُوا أَعِزَّةً. وَالْحَرْبُ سِجَالٌ.

وَقَوْلُهُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ

وَمُتَعَلِّقِ فِعْلِهَا أَعْنِي إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ وَالْفَاءُ تَقَعُ فِي الْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ مِنَ النَّحْوِيِّينَ.. فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَّرَهُمْ بِتِلْكَ الْمِنَّةِ الْعَظِيمَةِ ذَكَّرَهُمْ بِأَنَّهَا سَبَبٌ لِلشُّكْرِ فَأَمَرَهُمْ بِالشُّكْرِ بِمُلَازَمَةِ التَّقْوَى تَأَدُّبًا بِنِسْبَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إِبْرَاهِيم: ٧٠] .

وَمِنَ الشُّكْرِ عَلَى ذَلِكَ النَّصْرِ أَنْ يَثْبُتُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، وَامْتِثَالُ أَمْرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ لَا تَفُلَّ حِدَّتَهُمْ هَزِيمَةُ يَوْمِ أُحُدٍ.

وَظَرْفُ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ زَمَانِيٌّ وَهُوَ متعلّق «بنصركم» لِأَنَّ الْوَعْدَ بِنَصْرِهِ الْمَلَائِكَةَ وَالْمُؤْمِنِينَ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ لَا يَوْمَ أُحُدٍ. هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ.

وَخُصَّ هَذَا الْوَقْتُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ كَانَ وَقْتَ ظُهُورِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ، وَهَذِهِ النِّعْمَةِ، فَكَانَ جَدِيرًا بِالتَّذْكِيرِ وَالِامْتِنَانِ.

وَالْمَعْنَى: إِذْ تَعِدُ الْمُؤْمِنِينَ بِإِمْدَادِ اللَّهِ بِالْمَلَائِكَةِ، فَمَا كَانَ قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ تِلْكَ الْمَقَالَةَ إِلَّا بِوَعْدٍ أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَقُولَهُ.