وَاسْتَبَقُوا إِلَى طَلَبِ الْغَنِيمَةِ لَمْ يُمْدِدْهُمُ اللَّهُ وَلَا بِمَلَكٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ
بَدَلًا مِنْ وَإِذْ غَدَوْتَ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ وَيَأْتُوكُمْ مُقَدَّمَةً عَلَى الْمَعْطُوفَةِ هِيَ عَلَيْهَا، لِلْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ تَحْقِيقِ سُرْعَةِ النَّصْرِ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي إِعْرَابِ وَيَأْتُوكُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَمَعْنَى مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا الْمُبَادَرَةُ السَّرِيعَةُ، فَإِنَّ الْفَوْرَ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الْفِعْلِ، وَإِضَافَةُ الْفَوْرِ إِلَى ضَمِيرِ الْآتِينَ لِإِفَادَةِ شِدَّةِ اخْتِصَاصِ الْفَوْرِ بِهِمْ، أَيْ شِدَّةِ اتِّصَافِهِمْ بِهِ حَتَّى صَارَ يُعْرَفُ بِأَنَّهُ فَوْرُهُمْ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُمْ خَرَجَ من فوره. و (مِنْ) لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ.
وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (هَذَا) إِلَى الْفَوْرِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُشَاهَدِ الْقَرِيبِ، وَتِلْكَ كِنَايَة أَو استعادة لِكَوْنِهِ عَاجِلًا.
ومُسَوِّمِينَ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ- بِفَتْحِ الْوَاوِ- عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ سَوَّمَهُ، وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ، وَيَعْقُوبُ- بِكَسْرِ الْوَاوِ- بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّومَةِ- بِضَمِّ السِّينِ- وَهِيَ الْعَلَامَةُ مَقْلُوبُ سِمَةٍ لِأَنَّ أَصْلَ سِمَةٍ وَسْمَةٌ. وَتُطْلَقُ السُّومَةُ عَلَى عَلَامَةٍ يَجْعَلُهَا الْبَطَلُ لِنَفْسِهِ فِي الْحَرْبِ مِنْ صُوفٍ أَوْ رِيشٍ مُلَوَّنٍ، يَجْعَلُهَا عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى رَأْسِ فَرَسِهِ، يَرْمُزُ بِهَا إِلَى أَنَّهُ لَا يَتَّقِي أَنْ يَعْرِفَهُ أَعْدَاؤُهُ، فَيُسَدِّدُوا إِلَيْهِ سِهَامَهُمْ، أَوْ يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ بِسُيُوفِهِمْ، فَهُوَ يَرْمُزُ بِهَا إِلَى أَنَّهُ وَاثِقٌ بِحِمَايَتِهِ نَفْسَهُ بِشَجَاعَتِهِ، وَصِدْقِ لِقَائِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَعْبَأُ بِغَيْرِهِ مِنَ الْعَدُوِّ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ [آل عمرَان: ١٤] فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ. وَصِيغَةُ التَّفْعِيلِ وَالِاسْتِفْعَالِ تَكْثُرَانِ فِي اشْتِقَاقِ الْأَفْعَالِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِدَةِ.
وَوَصْفُ الْمَلَائِكَةِ بِذَلِكَ كِنَايَةٌ عَلَى كَوْنِهِمْ شِدَادًا.
وَأَحْسَبُ أَنَّ الْأَعْدَادَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا مُنَاسِبَةٌ لِجَيْشِ الْعَدُوِّ لِأَنَّ جَيْشَ الْعَدُوِّ يَوْمَ بَدْرٍ كَانَ أَلْفًا فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ بِمَدَدِ أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَلَمَّا خَشُوا أَنْ يَلْحَقَ بِالْعَدُوِّ مَدَدٌ مِنْ كُرْزٍ الْمُحَارِبِيِّ. وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ أَيْ بِجَيْشٍ لَهُ قَلْبٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute