للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَا يَجُوزُ وَعَيْبًا جَمَعْتَ غِيبَةً وَنَمِيمَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ:

عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ فَمِمَّا قَرُبَ مَأْخَذُهُ عَنْ سِيبَوَيْهِ، وَلَكِنَّ الْجَمَاعَةَ لَمْ تَتَلَقَّ هَذَا الْبَيْتَ إِلَّا عَلَى اعْتِقَادِ التَّقْدِيمِ فِيهِ، وَوَافَقَهُ الْمَرْزُوقِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَعْطُوفِ فِي مِثْلِ مَا حَسُنَ تَقْدِيمُهُ فِيهِ خَاصٌّ بِالضَّرُورَةِ فِي الشِّعْرِ، فَلِذَلِكَ خَرَّجْنَا عَلَيْهِ هَذَا الْوَجْهَ فِي الْآيَةِ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ، عَلَى أَنَّ عَطْفَ الْجُمَلِ أَوْسَعُ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ لِأَنَّهُ عَطْفٌ صُورِيٌّ.

وَوَقَعَ فِي «مُغْنِي اللَّبِيبِ» - فِي حَرْفِ الْوَاوِ- أَنَّ تَقْدِيمَ مَعْطُوفِهَا عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ضَرُورَةٌ، وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ السِّيدِ فِي شَرْحِ أَبْيَات الْجمل، والتفتازانيّ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الدَّمَامِينِيُّ فِي «تُحْفَةِ الْغَرِيبِ» .

وَجَعَلَ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ضَمِيرَيِ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ: وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ عَائِدَيْنَ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ سَيَمُدُّونَ جَيْشَ الْعَدُوِّ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُمْ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْمُحَارِبِيُّ، وَمَنْ مَعَهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَخَافُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ الْآيَةَ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ «الْكَشَّافُ» وَمُتَابِعُوهُ. فَيَكُونُ مُعَادُ الضَّمِيرَيْنِ غَيْرَ مَذْكُورٍ فِي الْكَلَامِ، وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ لِلنَّاسِ الَّذِينَ حَضَرُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ يَأْتُوكُمْ مَعْطُوفًا عَلَى الشَّرْطِ: أَيْ إِنْ صَبَرْتُمْ وَاتَّقَيْتُمْ وَأَتَاكُمْ كُرْزٌ وَأَصْحَابُهُ يُعَاوِنُونَ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْكُمْ يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِأَكْثَرِ مِنْ أَلْفٍ وَمِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ بِخَمْسَةِ آلَافٍ، قَالُوا فَبَلَغَتْ كُرْزًا وَأَصْحَابَهُ هَزِيمَةُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فَعَدَلَ عَنْ إِمْدَادِهِمْ فَلَمْ يُمِدَّهُمُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ، أَيْ بِالْمَلَائِكَةِ الزَّائِدِينَ عَلَى الْأَلْفِ. وَقِيلَ: لَمْ يُمِدَّهُمْ بِمَلَائِكَةٍ أَصْلًا، وَالْآثَارُ تَشْهَدُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْأَوَّلِينَ: مِثْلُ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَالزُّهْرِيِّ: إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْمَحْكِيَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ قَوْلٌ صَادِرٌ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالُوا وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِالْمَدَدِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَصْبِرُوا، فَلَمَّا لَمْ يَصْبِرُوا