للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَوَصَفَ الْمَلَائِكَةَ بِـ (مُنْزَلِينَ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ يَنْزِلُونَ إِلَى الْأَرْضِ فِي مَوْقِعِ الْقِتَالِ عِنَايَةً بِالْمُسْلِمِينَ قَالَ تَعَالَى: مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ [الْحجر: ٨] .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مُنْزَلِينَ- بِسُكُونِ النُّونِ وَتَخْفِيف الزَّاي- وقرأه ابْن عَامر- بِفَتْح النّون وَتَشْديد الزَّايِ-. وَأَنْزَلَ وَنَزَّلَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

فَالضَّمِيرَانِ: الْمَرْفُوعُ وَالْمَجْرُورُ، فِي قَوْلِهِ: وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ عَائِدَانِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ جَرَى الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ.

وَعَلَيْهِ فَمَوْقِعُ قَوْلِهِ: وَيَأْتُوكُمْ مَوْقِعُ وَعْدٍ، فَهُوَ الْمَعْنَى مَعْطُوفٌ عَلَى يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَرِدَ بَعْدَهُ، وَلَكِنَّهُ قُدِّمَ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، تَعْجِيلًا لِلطُّمَأْنِينَةِ إِلَى نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَكُونُ تَقْدِيمُهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَعْطُوفِ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ التَّقْدِيمُ فِي عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ كَمَا فِي قَوْلِ صَنَّانِ بْنِ عَبَّادٍ الْيَشْكُرِيِّ:

ثُمَّ اشْتَكَيْتُ لْأَشْكَانِي وَسَاكِنُهُ ... قَبْرٌ بِسِنْجَارَ أَوْ قَبْرٌ عَلَى قَهَدِ

قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ فِي شَرْحِ أَبْيَاتِ الْحَمَاسَةِ: قُدِّمَ الْمَعْطُوفُ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَحَسَّنَهُ شِدَّةُ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَرْفُوعِهِ (أَيْ فَالْعَامِلُ وَهُوَ الْفِعْلُ آخِذٌ حَظَّهُ مِنَ التَّقْدِيمِ وَلَا الْتِفَاتَ لِكَوْنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مُؤَخَّرًا عَنِ الْمَعْطُوفِ) وَلَوْ قُلْتَ: ضَرَبْتُ وَزَيْدًا عَمْرًا كَانَ أَضْعَفَ، لِأَنَّ اتِّصَالَ الْمَفْعُولِ بِالْفِعْلِ لَيْسَ فِي قُوَّةِ اتِّصَالِ الْفَاعِلِ بِهِ، وَلَكِنْ لَوْ قُلْتَ:

مَرَرْتُ وَزَيْدٌ بِعَمْرٍو، لَمْ يَجُزْ مِنْ جِهَةِ أَنَّكَ لَمْ تُقَدِّمِ الْعَامِلَ، وَهُوَ الْبَاءُ، عَلَى حَرْفِ الْعَطْفِ. وَمِنْ تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ بِهِ قَوْلُ زَيْدٍ:

جَمَعْتَ وَعَيْبًا غِيبَةً وَنَمِيمَةً ... ثَلَاثَ خِصَالٍ لَسْتَ عَنْهَا بِمُرْعَوِي

وَمِنْهُ قَوْلُ آخَرَ:

لَعَنَ الْإِلَهُ وَزَوْجَهَا مَعَهَا ... هِنْدَ الْهُنُودِ طَوِيلَةَ الْفِعْلِ