بِذَلِكَ إِلَى إِلْقَاءِ تَبِعَةِ الْهَزِيمَةِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُخْلِفْهُمْ وَعْدَهُ، وَلَكِنَّ سُوءَ صَنِيعِهِمْ أَوْقَعَهُمْ فِي الْمُصِيبَةِ كَقَوْلِهِ: وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النِّسَاء: ٧٩] .
وَصِدْقُ الْوَعْدِ: تَحْقِيقُهُ وَالْوَفَاءُ بِهِ، لِأَنَّ مَعْنَى الصِّدْقِ مُطَابَقَةُ الْخَبَرِ لِلْوَاقِعِ، وَقَدْ عُدِّيَ صَدَقَ هُنَا إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَحَقُّهُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى إِلَّا إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [٢٣]-: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ- يُقَالُ: صَدَقَنِي أَخُوكَ وَكَذَبَنِي إِذَا قَالَ لَكَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَأَمَّا الْمَثَلُ (صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِهِ) فَمَعْنَاهُ صَدَقَنِي فِي سِنِّ بَكْرِهِ بِطَرْحِ الْجَارِّ وَإِيصَالِ الْفِعْلِ. فَنُصِبَ وَعْدَهُ هُنَا عَلَى الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، وَأَصْلُ الْكَلَامِ صَدَقَكُمْ فِي وَعْدِهِ، أَوْ عَلَى تَضْمِينِ صَدَقَ مَعْنَى أَعْطَى.
وَالْوَعْدُ هُنَا وَعْدُ النَّصْرِ الْوَاقِعِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [مُحَمَّد: ٧] أَوْ بِخَبَرٍ خَاصٍّ فِي يَوْمِ أُحُدٍ.
وَإِذْنُ اللَّهِ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ وتيسير الْأَسْبَاب.
و (إِذْ) فِي قَوْلِهِ: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ نَصْبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِقَوْلِهِ: صَدَقَكُمُ أَيْ: صَدَقَكُمُ اللَّهُ الْوَعْدَ حِينَ كُنْتُمْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْحِسَّ تَحْقِيقٌ لِوَعْدِ اللَّهِ إيّاهم بالنّصر، و (إِذْ) فِيهِ لِلْمُضِيِّ، وَأُتِيَ بَعْدَهَا بِالْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ التَّجَدُّدِ أَيْ لِحِكَايَةِ تَجَدُّدِ الْحَسِّ فِي الْمَاضِي.
وَالْحَسُّ- بِفَتْحِ الْحَاءِ- الْقَتْلُ أَطْلَقَهُ أَكْثَرُ اللُّغَوِيِّينَ، وَقَيَّدَهُ فِي «الْكَشَّافِ» بِالْقَتْلِ الذَّرِيعِ، وَهُوَ أَصْوَبُ.
وَقَوْلُهُ: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ (حَتَّى) حَرْفُ انْتِهَاءٍ وَغَايَةٍ، يُفِيدُ أَنَّ مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا غَايَةٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَالْمَعْنَى: إِذْ تَقْتُلُونَهُمْ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ، وَاسْتَمَرَّ قَتْلُكُمْ إِيَّاهُمْ إِلَى حُصُولِ الْفَشَلِ لَكُمْ والتنازع بَيْنكُم.
و (حتّى) هُنَا جارّة و (إِذا) مجرور بهَا.
و
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute