للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(إِذا) اسْمُ زَمَانٍ، وَهُوَ فِي الْغَالِبِ لِلزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْهُ إِلَى الزَّمَانِ مُطْلَقًا كَمَا هُنَا، وَلَعَلَّ نُكْتَةَ ذَلِكَ أَنَّهُ أُرِيدَ اسْتِحْضَارُ الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ تَبَعًا لقَوْله: تَحُسُّونَهُمْ.

و (إِذا) هُنَا مُجَرَّدَةٌ عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّهَا إِذَا صَارَتْ لِلْمُضِيِّ انْسَلَخَتْ عَنِ الصَّلَاحِيَةِ لِلشَّرْطِيَّةِ، إِذِ الشَّرْطُ لَا يَكُونُ مَاضِيًا إِلَّا بِتَأْوِيلٍ لِذَلِكَ فَهِيَ غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ لِجَوَابٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَكَلُّفِ تَقْدِيرِهِ: انْقَسَمْتُمْ، وَلَا إِلَى جَعْلِ الْكَلَامِ بَعْدَهَا دَلِيلًا عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا إِلَى آخِرِهَا.

وَالْفَشَلُ: الْوَهَنُ وَالْإِعْيَاءُ، وَالتَّنَازُعُ: التَّخَالُفُ، وَالْمُرَادُ بِالْعِصْيَانِ هُنَا عِصْيَانُ أَمْرِ الرَّسُولِ، وَقد رتّبت الْأَفْعَال الثَّلَاثَةُ فِي الْآيَةِ عَلَى حَسْبِ تَرْتِيبِهَا فِي الْحُصُولِ، إِذْ كَانَ الْفَشَلُ، وَهُوَ ضَجَرُ بَعْضِ الرُّمَاةِ مِنْ مُلَازَمَةِ مَوْقِفِهِمْ لِلطَّمَعِ فِي الْغَنِيمَةِ، قَدْ حَصَلَ أَوَّلًا فَنَشَأَ عَنْهُ التَّنَازُعُ بَيْنَهُمْ فِي مُلَازَمَةِ الْمَوْقِفِ وَفِي اللَّحَاقِ بِالْجَيْشِ لِلْغَنِيمَةِ، وَنَشَأَ عَنِ التَّنَازُعِ تَصْمِيمُ مُعْظَمِهِمْ عَلَى مُفَارَقَةِ الْمَوْقِفِ الَّذِي أَمَرَهُمُ الرَّسُولُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِمُلَازَمَتِهِ وَعَدَمِ الِانْصِرَافِ مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي تَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ فِي صِنَاعَةِ الْإِنْشَاءِ مَا لَمْ يَقْتَضِ الْحَالُ الْعُدُولَ عَنْهُ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي قَوْلِهِ: فِي الْأَمْرِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَيْ فِي أَمْرِكُمْ أَيْ شَأْنِكُمْ.

وَمَعْنَى مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ أَرَادَ بِهِ النَّصْرَ إِذْ كَانَتِ الرِّيحُ أَوَّلَ يَوْمِ أُحُدٍ لِلْمُسْلِمِينَ، فَهَزَمُوا الْمُشْرِكِينَ، وَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ، حَتَّى شُوهِدَتْ نِسَاؤُهُمْ مُشَمِّرَاتٍ عَنْ سُوقِهِنَّ فِي أَعْلَى الْجَبَلِ هَارِبَاتٍ مِنَ الْأَسْرِ، وَفِيهِنَّ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمَّا رَأَى الرُّمَاةُ الَّذِينَ أَمَرَهُمُ الرَّسُولُ أَنْ يَثْبُتُوا لِحِمَايَةِ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ، الْغَنِيمَةَ، الْتَحَقُوا بِالْغُزَاةِ، فَرَأَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَهُوَ قَائِدُ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، غِرَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَتَاهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ فَانْكَشَفُوا وَاضْطَرَبَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ وَبَادَرُوا الْفِرَارَ وَانْهَزَمُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ فَيَكُونُ الْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقًا بِفَشَلِهِمْ. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا تَشْدِيدٌ فِي الْمَلَامِ وَالتَّنْدِيمِ.