للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُمْ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ كَلِمَةٌ لَعَلَّهُمْ أُلْهَمُوهَا أَوْ تَلَقَّوْهَا عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَحَسْبُ أَيْ كَافٍ، وَهُوَ اسْمٌ جَامِدٌ بِمَعْنَى الْوَصْفِ لَيْسَ لَهُ فِعْلٌ، قَالُوا: وَمِنْهُ اسْمُهُ تَعَالَى الْحَسِيبُ، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ. وَقِيلَ: الْإِحْسَابُ هُوَ الْإِكْفَاءُ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى كَفَى، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقَامُوسِ. وَرَدَّهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي تَوْضِيحِهِ بِأَنَّ دُخُولَ الْعَوَامِلِ عَلَيْهِ نَحْوَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ، وَقَوْلهمْ: بحسبك دِرْهَمٌ، يُنَافِي دَعْوَى كَوْنِهِ اسْمَ فِعْلٍ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَفْعَالِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا الْعَوَامِلُ، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ. وَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ اللَّازِمَةِ لِلْإِضَافَةِ لَفْظًا دُونَ مَعْنًى، فَيُبْنَى عَلَى الضَّمِّ مِثْلُ: قَبْلُ وَبَعْدُ، كَقَوْلِهِم:

أعْطه درهيمن فَحَسْبُ، وَيَتَجَدَّدُ لَهُ مَعْنَى حِينَئِذٍ فَيَكُونُ بِمَعْنَى لَا غَيْرَ. وَإِضَافَتُهُ لَا تفيده تعريفا لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ الْمُشْتَقِّ وَلِذَلِكَ تُوصَفُ بِهِ النَّكِرَةُ، وَهُوَ مُلَازِمُ الْإِفْرَادِ وَالتَّذْكِيرِ فَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يُؤَنَّثُ لِأَنَّهُ لَجُمُودِهِ شَابَهَ الْمَصْدَرَ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْمَ فِعْلٍ فَهُوَ كَالْمَصْدَرِ، أَوْ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَهُوَ شَأْنُ الْمَصَادِرِ، وَمَعْنَاهَا: إِنَّهُمُ اكْتَفَوْا بِاللَّهِ نَاصِرًا وَإِنْ كَانُوا فِي قِلَّةٍ وَضَعْفٍ.

وَجُمْلَةُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى حَسْبُنَا اللَّهُ فِي كَلَامِ الْقَائِلِينَ، فَالْوَاوُ مِنَ الْمَحْكِيِّ لَا مِنَ الْحِكَايَةِ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي لَا تُطْلَبُ فِيهِ إِلَّا

الْمُنَاسَبَةُ. وَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ لِتَقَدُّمِ دَلِيلِهِ.

والْوَكِيلُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَوْكُولٍ إِلَيْهِ. يُقَالُ: وَكَلَ حَاجَتَهُ إِلَى فُلَانٍ إِذَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي قَضَائِهَا وَفَوَّضَ إِلَيْهِ تَحْصِيلَهَا، وَيُقَالُ لِلَّذِي لَا يَسْتَطِيع الْقيام بشؤونه بِنَفْسِهِ:

رَجُلٌ وَكَلٌ- بِفَتْحَتَيْنِ- أَيْ كَثِيرُ الِاعْتِمَادِ عَلَى غَيْرِهِ، فَالْوَكِيلُ هُوَ الْقَائِمُ بِشَأْنِ مَنْ وَكَّلَهُ، وَهَذَا الْقِيَامُ بِشَأْنِ الْمُوَكِّلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ الْمُوَكَّلِ فِيهَا، وَبِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ يَخْتَلِفُ مَعْنَى الْوَكِيلُ، فَإِنْ كَانَ الْقِيَامُ فِي دَفْعِ الْعَدَاءِ وَالْجَوْرِ فَالْوَكِيلُ النَّاصِرُ وَالْمُدَافِعُ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ [الْأَنْعَام: ٦٦] ، وَمِنْهُ فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا

[النِّسَاء: ١٠٩] . وَمِنْهُ الْوَكِيلُ فِي الْخُصُومَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي شؤون الْحَيَاةِ فَالْوَكِيلُ الْكَافِلُ وَالْكَافِي مِنْهُ: