للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا [الْإِسْرَاء: ٢] كَمَا قَالَ: قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا [النَّحْل: ٩١] وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: الْوَكِيلُ، وَقَوْلُهُ: وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَمِنْهُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمَالِ، وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا اسْمُ الْكَفِيلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا. وَقَدْ حَمَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْوَكِيلَ عَلَى مَا يَشْمَلُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٠٢] ، فَقَالَ: وَهُوَ مَالِكٌ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ رَقِيبٌ عَلَى الْأَعْمَالِ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلرَّقِيبِ وَالْحَافِظِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يُعْنَى النَّاسُ بِحِفْظِهَا وَرِقَابَتِهَا وَادِّخَارِهَا، وَلِذَلِكَ يَتَقَيَّدُ وَيَتَعَمَّمُ بِحَسَبِ الْمَقَامَاتِ.

وَقَوْلُهُ: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعْقِيبٌ لِلْإِخْبَارِ عَنْ ثَبَاتِ إِيمَانِهِمْ وَقَوْلِهِمْ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَهُوَ تَعْقِيبٌ لِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ فَانْقَلَبُوا، لِأَنَّ الِانْقِلَابَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ خَرَجُوا لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ الَّذِي بَلَغَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ جَمَعُوا لَهُم وَلم يعبأوا بِتَخْوِيفِ الشَّيْطَانِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَخَرَجُوا فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ.

وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ مُلَابِسِينَ لِنِعْمَةٍ وَفَضْلٍ مِنَ اللَّهِ. فَالنِّعْمَةُ هِيَ مَا أَخَذُوهُ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَالْفَضْلُ فَضْلُ الْجِهَادِ. وَمَعْنَى لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ لَمْ يُلَاقُوا حَرْبًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ.

وَجُمْلَةُ إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ إِمَّا اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ إِنْ جَعَلْتَ قَوْلَهُ:

الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ بَدَلًا أَوْ صِفَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِمَّا خَبَرٌ عَنِ الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنْ جَعَلْتَ قَوْلَهُ: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ مُبْتَدَأً، وَالتَّقْدِيرُ: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِلَى آخِرِهِ إِنَّمَا مَقَالُهُمْ يُخَوِّفُ الشَّيْطَانُ بِهِ. وَرَابِطُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِالْمُبْتَدَأِ، وَهُوَ «الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ» عَلَى هَذَا التَّقْدِير، هُوَ اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُبْتَدَأٌ.

ثُمَّ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكُمُ إِمَّا عَائِدٌ إِلَى الْمَقَالِ فَلَفْظُ الشَّيْطَانِ عَلَى هَذَا مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وَلَفْظُهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ ذَلِك الْمقَال ناشىء