للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذَلِكَ أَشَدَّ. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا- بِيَاءِ الْغَيْبَةِ- وَفَاعِلُ الْفِعْلِ (الَّذِينَ كَفَرُوا) ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَحْدَهُ- بِتَاءِ الْخِطَابِ-.

فَالْخِطَابُ إِمَّا لِلرَّسُولِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهُوَ نَهْيٌ عَنْ حُسْبَانٍ لَمْ يَقَعْ، فَالنَّهْيُ لِلتَّحْذِيرِ مِنْهُ أَوْ عَنْ حُسْبَانٍ هُوَ خَاطِرٌ خَطَرَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرَ أَنَّهُ حُسْبَانُ تَعَجُّبٍ، لِأَنَّ الرَّسُولَ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِمْلَاءَ لَيْسَ خَيْرًا لَهُمْ، أَوِ الْمُخَاطَبُ الرَّسُولُ وَالْمَقْصُودُ غَيْرُهُ، مِمَّنْ يَظُنُّ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ مِثْلِ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: ٦٥] ، أَوِ الْمُرَادُ مِنَ الْخِطَابِ كُلُّ مُخَاطَبٍ يَصْلُحُ لِذَلِكَ.

وَعَلَى قِرَاءَةِ- الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ- فَالنَّهْيُ مَقْصُودٌ بِهِ بُلُوغَهُ إِلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا سُوءَ عَاقِبَتِهِمْ، وَيُمِرَّ عَيْشَهُمْ بِهَذَا الْوَعِيدِ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْسَبُونَ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ وَالْإِمْلَاءُ: الْإِمْهَالُ فِي الْحَيَاةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا تَأْخِيرُ حَيَاتِهِمْ، وَعَدَمُ اسْتِئْصَالِهِمْ فِي الْحَرْبِ، حَيْثُ فَرِحُوا بِالنَّصْرِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَبِأَنَّ قَتْلَى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ قَتْلَاهُمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْإِمْلَاءِ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَعْمَالِهِمْ فِي كَيْدِ الْمُسْلِمِينَ وَحَرْبِهِمْ وَعَدَمُ

الْأَخْذِ عَلَى أَيْدِيهِمْ بِالْهَزِيمَةِ وَالْقَتْلِ كَمَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، يُقَالُ: أَمْلَى لِفَرَسِهِ إِذَا أَرْخَى لَهُ الطِّوَلَ فِي الْمَرْعَى، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَلْوِ بِالْوَاوِ وَهُوَ سَيْرُ الْبَعِيرِ الشَّدِيدِ، ثُمَّ قَالُوا: أَمْلَيْتُ لِلْبَعِيرِ وَالْفَرَسِ إِذَا وَسَّعْتُ لَهُ فِي الْقَيْدِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِذَلِكَ مِنَ الْخَبَبِ وَالرَّكْضِ، فَشُبِّهَ فِعْلُهُ بِشِدَّةِ السَّيْرِ، وَقَالُوا: أَمْلَيْتُ لِزَيْدٍ فِي غَيِّهِ أَيْ تَرَكْتُهُ: عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ، وَأَمْلَى اللَّهُ لِفُلَانٍ أَخَّرَ عِقَابَهُ، قَالَ تَعَالَى: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الْأَعْرَاف: ١٨٣] وَاسْتُعِيرَ التَّمَلِّي لِطُولِ الْمُدَّةِ تَشْبِيهًا لِلْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ فَقَالُوا: مَلَّأَكَ اللَّهُ حَبِيبَكَ تَمْلِيئَةً، أَيْ أَطَالَ عُمُرَكَ مَعَهُ.

وَقَوْلُهُ: أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ (أَنَّ) أُخْتُ (إِنَّ) الْمَكْسُورَةِ الْهَمْزَةِ، وَ (مَا) مَوْصُولَةٌ وَلَيْسَتِ الزَّائِدَةُ، وَقَدْ كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ كَلِمَةً وَاحِدَةً كَمَا تُكْتَبُ إِنَّمَا الْمُرَكَّبَةُ مِنْ (إِنَّ) أُخْتِ (أَنَّ) وَ (مَا) الزَّائِدَةِ الْكَافَّةِ، الَّتِي هِيَ حَرْفُ حَصْرٍ بِمَعْنَى (مَا) وَ (إِلَّا) ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تُكْتَبَ مَفْصُولَةً وَهُوَ اصْطِلَاحٌ حَدَثَ بَعْدَ كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ لَمْ يَكُنْ مُطَّرِدًا فِي الرَّسْمِ الْقَدِيمِ، عَلَى هَذَا اجْتَمَعَتْ كَلِمَاتُ