الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (أَنَّمَا) مِنْ قَوْلِهِ: أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ هِيَ أَنَّمَا أُخْتُ إِنَّمَا الْمَكْسُورَةِ وَأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ (أَنْ) وَ (مَا) الْكَافَّةِ الزَّائِدَةِ وَأَنَّهَا طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْقَصْرِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَأَنَّ الْمَعْنَى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا انْحِصَارَ إِمْهَالِنَا لَهُمْ فِي أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا فَرِحُوا بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْقَتْلِ وَبِالْبَقَاءِ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ قَدْ أَضْمَرُوا فِي أَنْفُسِهِمُ اعْتِقَادَ أَنَّ بَقَاءَهُمْ مَا هُوَ إِلَّا خَيْرٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ الْقَتْلَ شَرًّا لَهُمْ، إِذْ لَا يُؤْمِنُونَ بِجَزَاءِ الشَّهَادَةِ فِي الْآخِرَةِ لِكُفْرِهِمْ بِالْبَعْثِ. فَهُوَ قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ فِي ظَنِّهِمْ.
وَلِهَذَا يَكُونُ رَسْمُهُمْ كَلِمَةَ (أَنَّمَا) الْمَفْتُوحَةِ الْهَمْزَةِ فِي الْمُصْحَفِ جَارِيًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ اصْطِلَاحُ الرَّسْمِ. وأَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ هُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَيَكُونُ سَادًّا مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ، لِأَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ صَارَ كَالْمَتْرُوكِ، وَسُلِكَتْ طَرِيقَةُ الْإِبْدَالِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِجْمَالِ، ثُمَّ التَّفْصِيلِ، لِأَنَّ تَعَلُّقَ الظَّنِّ بِالْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ يَسْتَدْعِي تَشَوُّفَ السَّامِعِ لِلْجِهَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الظَّنُّ، وَهِيَ مَدْلُولُ الْمَفْعُولِ الثَّانِي، فَإِذَا سَمِعَ مَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ تَمَكَّنَ مِنْ نَفْسِهِ فَضْلَ تَمَكُّنٍ وَزَادَ تَقْرِيرًا.
وَقَوْلُهُ: إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً اسْتِئْنَافٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ عَنْ حُسْبَانِ الْإِمْلَاءِ خَيْرًا، أَيْ مَا هُوَ بِخَيْرٍ لِأَنَّهُمْ يَزْدَادُونَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إِثْمًا.
وَ (إِنَّمَا) هَذِهِ كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ (إِنَّ) حَرْفُ التَّوْكِيدِ وَ (مَا) الزَّائِدَةِ الْكَافَّةِ وَهِيَ أَدَاةُ حَصْرٍ أَيْ: مَا نُمْلِي لَهُمْ إِلَّا لِيَزْدَادُوا إِثْمًا، أَيْ فَيَكُونُ أَخْذُهُمْ بِهِ أَشَدَّ فَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ.
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُمْلِي لَهُمْ وَيُؤَخِّرُهُمْ وَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ فَيَزْدَادُونَ إِثْمًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَيَشْتَدُّ عِقَابُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَبِذَلِكَ لَا يَكُونُ الْإِمْلَاءُ لَهُمْ خَيْرًا لَهُمْ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ.
وَاللَّام فِي لِيَزْدادُوا إِثْماً لَامُ الْعَاقِبَةِ كَمَا هِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَص: ٨] أَيْ: إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ فَيَزْدَادُونَ إِثْمًا، فَلَمَّا كَانَ ازْدِيَادُ الْإِثْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute