الِاسْمِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الْعِلْمُ وَلَا تُوضَعُ الْأَعْلَامُ إِلَّا لِشَيْءٍ مُهْتَمٍّ بِهِ، وَهَذَا اعْتِدَادٌ بِالْأَصْلِ وَالْغَالِبِ، وَإِلَّا فَقَدَ تُوضَعُ الْأَعْلَامُ لِغَيْرِ مَا يُهْتَمُّ بِهِ كَمَا قَالُوا فُجَّارٌ عَلَمٌ لِلْفَجَرَةِ.
فَأَصْلُ صِيغَتِهِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ النَّاقِصِ الْوَاوِيِّ فَهُوَ إِمَّا سِمْوٌ بِوَزْنِ حِمْلٍ، أَوْ سُمْوٌ بِوَزْنِ قُفْلٍ فَحُذِفَتِ اللَّامُ حَذْفًا لِمُجَرَّدِ التَّخْفِيفِ أَوْ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلِذَلِكَ جَرَى الْإِعْرَابُ عَلَى الْحَرْفِ الْبَاقِي، لِأَنَّهُ لَوْ حُذِفَتْ لَامَهُ لِعِلَّةٍ صَرْفِيَّةٍ لَكَانَ الْإِعْرَابُ مُقَدَّرًا عَلَى الْحَرْفِ الْمَحْذُوفِ كَمَا فِي نَحْوِ قَاضٍ وَجَوَارٍ، فَلَمَّا جَرَى الْإِعْرَابُ عَلَى الْحَرْفِ الْبَاقِي الَّذِي كَانَ سَاكِنًا نَقَلُوا سُكُونَهُ لِلْمُتَحَرِّكِ وَهُوَ أَوَّلُ الْكَلِمَةِ وَجَلَبُوا هَمْزَةَ الْوَصْلِ لِلنُّطْقِ بِالسَّاكِنِ إِذِ الْعَرَبُ لَا تَسْتَحْسِنُ الِابْتِدَاءَ بِحَرْفٍ سَاكِنٍ لِابْتِنَاءِ لُغَتِهِمْ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَقَدْ قَضَوْا بِاجْتِلَابِ الْهَمْزَةِ وَطَرًا ثَانِيًا مِنَ التَّخْفِيفِ وَهُوَ عَوْدُ الْكَلِمَةِ إِلَى الثُّلَاثِيِّ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الَّتِي تَبْقَى بِالْحَذْفِ عَلَى حَرْفَيْنِ كَيَدٍ وَدَمٍ لَا تَخْلُو مِنْ ثِقَلٍ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ لَمْ تُجْتَلَبْ لِتَعْوِيضِ الْحَرْفِ الْمَحْذُوف وَإِلَّا لَا جتلبوها فِي يَدٍ وَدَمٍ وَغَدٍ.
وَقَدِ احْتَجُّوا عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ كَذَلِكَ بِجَمْعِهِ عَلَى أَسْمَاءٍ بِوَزْنِ أَفْعَالٍ، فَظَهَرَتْ فِي آخِرِهِ هَمْزَةٌ وَهِيَ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْوَاوِ الْمُتَطَرِّفَةِ إِثْرَ أَلِفِ الْجَمْعِ، وَبِأَنَّهُ جُمِعَ عَلَى أَسَامِي وَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ بِوَزْنِ أَفَاعِيلَ بِإِدْغَامِ يَاءِ الْجَمْعِ فِي لَامِ الْكَلِمَةِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا كَمَا فِي أَثَافِي وَأَمَانِي، وَبِأَنَّهُ صُغِّرَ عَلَى سُمَيٍّ. وَأَنَّ الْفِعْلَ مِنْهُ سَمَّيْتُ، وَهِيَ حُجَجٌ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ مِنَ النَّاقِصِ الْوَاوِيِّ. وَبِأَنَّهُ يُقَالُ سُمًى كَهُدًى لِأَنَّهُمْ صَاغُوهُ عَلَى فِعْلٍ كَرَطُبَ فَتَنْقَلِبُ الْوَاوُ الْمُتَحَرِّكَةُ أَلِفًا إِثْرَ الْفَتْحَةِ وَأَنْشَدُوا عَلَى ذَلِكَ قَوْلَ أَبِي خَالِدٍ الْقَنَانِيِّ الرَّاجِزِ (١) :
وَاللَّهُ أَسْمَاكَ سُمًى مُبَارَكًا ... آثَرَكَ اللَّهُ بِهِ إِيثَارَكَا
وَقَالَ ابْنُ يَعِيشَ: لَا حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لُغَةً مَنْ قَالَ سُمَ وَالنَّصْبُ فِيهِ نَصْبُ إِعْرَابٍ لَا نَصْبُ الْإِعْلَالِ، وَرَدَّهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ بِأَنَّ كِتَابَتَهُ بِالْإِمَالَةِ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.
وَعِنْدِي فِيهِ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الرِّوَايَةُ فَلَعَلَّ الَّذِينَ كَتَبُوهُ بِالْيَاءِ هُمُ الَّذِينَ ظَنُّوهُ مَقْصُورًا، عَلَى أَنَُُّ
(١) القناني- بِفَتْح الْقَاف وَالنُّون مخففا- نِسْبَة إِلَى قنان بن سَلمَة من مذْحج قَالَه شَارِح «الْقَامُوس» وشارح «الشواهد الْكُبْرَى» ، وَلم يذكر ابْن الْأَثِير وَلَا غَيره القنان هَذَا فِي بطُون مذْحج فَلَعَلَّهُ قد دخل بنوه فِي قَبيلَة أُخْرَى، وَلم يُوجد سَلمَة هَذَا وَإِنَّمَا الْمَوْجُود مسلية- بِالْيَاءِ- بِوَزْن مسلمة، وهم بطن من مذْحج دخلُوا فِي بني الْحَارِث بن كَعْب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute