للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلِذَلِكَ فَالتَّعْرِيفُ فِي الرِّجالُ والنِّساءِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَهُوَ اسْتِغْرَاقٌ عُرْفِيٌّ مَبْنِيٌّ

عَلَى النَّظَرِ إِلَى الْحَقِيقَةِ، كَالتَّعْرِيفِ فِي قَوْلِ النَّاسِ «الرَّجُلُ خَيْرٌ من الْمَرْأَة» ، يؤول إِلَى الِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُسْتَقْرَاةَ لِلْحَقَائِقِ أَحْكَامُ أَغْلَبِيَّةٍ، فَإِذَا بُنِيَ عَلَيْهَا اسْتِغْرَاقٌ فَهُوَ اسْتِغْرَاقٌ عُرْفِيٌّ. وَالْكَلَامُ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْرِ كَشَأْنِ الْكَثِيرِ مِنَ الْأَخْبَارِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَالْقَوَّامُ: الَّذِي يَقُومُ عَلَى شَأْنِ شَيْءٍ وَيَلِيهِ وَيُصْلِحُهُ، يُقَالُ: قَوَّامٌ وقيّام وقيّوم وقيّم، وكلّها مشتقّة من الْقيام الْمجَازِي الَّذِي هُوَ مجَاز مُرْسل أَو اسْتِعَارَة تمثيلية، لِأَنَّ شَأْنَ الَّذِي يَهْتَمُّ بِالْأَمْرِ وَيَعْتَنِي بِهِ أَنْ يَقِفَ لِيُدِيرَ أَمْرَهُ، فَأُطْلِقَ عَلَى الِاهْتِمَامِ الْقِيَامُ بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ. أَوْ شُبِّهَ الْمُهْتَمُّ بِالْقَائِمِ لِلْأَمْرِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّمْثِيلِ. فَالْمُرَادُ مِنَ الرِّجَالِ مَنْ كَانَ مِنْ أَفْرَادِ حَقِيقَةِ الرَّجُلِ، أَيِ الصِّنْفُ الْمَعْرُوفُ مِنَ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ، وَهُوَ صِنْفُ الذُّكُورِ، وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ مِنَ النِّسَاءِ صِنْفُ الْإِنَاثِ مِنَ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الرِّجَالَ جَمْعَ الرَّجُلِ بِمَعْنَى رَجُلِ الْمَرْأَةِ، أَيْ زَوْجِهَا لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ: امْرَأَةُ فُلَانٍ، وَلَا الْمُرَادُ مِنَ النِّسَاءِ الْجَمْعَ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى الْأَزْوَاجِ الْإِنَاثِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدِ اسْتُعْمِلَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، بَلِ الْمُرَادُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِأَصْلِ الْوَضْعِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ [النِّسَاء: ٣٢] ، وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

وَلَا نِسْوَتِي حَتَّى يَمُتْنَ حَرَائِرَا يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ وَبَنَاتَهُ وَوَلَايَاهُ.

فَمَوْقِعُ الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ مَوْقِعُ الْمُقَدَّمَةِ لِلْحُكْمِ بِتَقْدِيمِ دَلِيلِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِالدَّلِيلِ، إِذْ قد يَقع فِيهِ سُوءُ تَأْوِيلٍ، أَوْ قَدْ وَقَعَ بِالْفِعْلِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ قَوْلُ النِّسَاءِ «لَيْتَنَا اسْتَوَيْنَا مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمِيرَاثِ وَشَرِكْنَاهُمْ فِي الْغَزْوِ» .

وَقِيَامُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ هُوَ قِيَامُ الْحِفْظِ وَالدِّفَاعِ، وَقِيَامُ الِاكْتِسَابِ وَالْإِنْتَاجِ الْمَالِيِّ، وَلِذَلِكَ قَالَ: بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ أَيْ: بِتَفْضِيلِ اللَّهِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِإِنْفَاقِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، إِنْ كَانَتْ (مَا) فِي الْجُمْلَتَيْنِ مَصْدَرِيَّةً، أَوْ بِالَّذِي فَضَلَّ اللَّهُ بِهِ بَعْضَهُمْ، وَبِالَّذِي أَنْفَقُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، إِنْ كَانَتْ (مَا) فِيهِمَا