للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْ لَا يُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ. وَالَّذِي دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ أَرَادُوا ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا- إِلَى قَوْلِهِ:- اسْمَعْ وَانْظُرْنا فَأَزَالَ لَهُمْ كَلِمَةَ (غَيْرَ مُسْمَعٍ) . وَقَصْدُهُمْ مِنْ إِيرَادِ كَلَامٍ ذِي وَجْهَيْنِ أَنْ يُرْضُوا الرَّسُولَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَيُرْضُوا أَنْفُسَهُمْ بِسُوءِ نِيَّتِهِمْ مَعَ الرَّسُول- عَلَيْهِ السَّلَام- وَيُرْضُوا قَوْمَهُمْ، فَلَا يَجِدُوا عَلَيْهِمْ حُجَّةً.

وَقَوْلُهُمْ: وَراعِنا أَتَوْا بِلَفْظٍ ظَاهِرُهُ طَلَبُ الْمُرَاعَاةِ، أَيِ الرِّفْقِ، وَالْمُرَاعَاةُ مُفَاعَلَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمُبَالَغَةِ فِي الرَّعْيِ عَلَى وَجْهِ الْكِنَايَةِ الشَّائِعَةِ الَّتِي سَاوَتِ الْأَصْلَ، ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّعْيَ مِنْ لَوَازِمِهِ الرِّفْقُ بِالْمَرْعِيِّ، وَطَلَبُ الْخِصْبِ لَهُ، وَدَفْعُ الْعَادِيَةِ عَنْهُ. وَهُمْ يُرِيدُونَ بِ راعِنا كَلِمَةً فِي الْعِبْرَانِيَّةِ تَدُلُّ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الرُّعُونَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا كَلِمَةُ رَاعُونَا وَأَنَّ مَعْنَاهَا الرُّعُونَةُ فَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ بِهَا، يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ

النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ نَهَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُتَابَعَتِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي ذَلِكَ اغْتِرَارًا فَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٠٤] : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا.

وَاللَّيُّ أَصْلُهُ الِانْعِطَافُ وَالِانْثِنَاءُ، وَمِنْهُ «وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ» ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ فِي كِلْتَا الْكَلِمَتَيْنِ: اللَّيُّ، وَالْأَلْسِنَةُ، أَيْ أَنَّهُمْ يُثْنُونَ أَلْسِنَتَهُمْ لِيَكُونَ الْكَلَامُ مُشْبِهًا لُغَتَيْنِ بِأَنْ يُشْبِعُوا حَرَكَاتٍ، أَوْ يَقْصُرُوا مُشْبَعَاتٍ، أَوْ يُفَخِّمُوا مُرَقَّقًا، أَوْ يُرَقِّقُوا مُفَخَّمًا، لِيُعْطِيَ اللَّفْظُ فِي السَّمْعِ صُورَةً تُشْبِهُ صُورَةَ كَلِمَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّهُ قَدْ تَخْرُجُ كَلِمَةٌ مِنْ زِنَةٍ إِلَى زِنَةٍ، وَمِنْ لُغَةٍ إِلَى لُغَةٍ بِمِثْلِ هَذَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظِ (اللي) مجازه، وب (الْأَلْسِنَة) مَجَازُهُ: فَاللَّيُّ بِمَعْنَى تَغْيِيرِ الْكَلِمَةِ، وَالْأَلْسِنَةُ مَجَازٌ عَلَى الْكَلَامِ، أَيْ يَأْتُونَ فِي كَلَامِهِمْ بِمَا هُوَ غَيْرُ مُتَمَحِّضٍ لِمَعْنَى الْخَيْرِ.

وَانْتَصَبَ «لَيًّا» عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ لِ يَقُولُونَ، لِأَنَّ اللَّيَّ كَيْفِيَّةٌ مِنْ كَيْفِيَّاتِ الْقَوْلِ.

وَانْتَصَبَ طَعْناً فِي الدِّينِ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، فَهُوَ مِنْ عَطْفِ بَعْضِ الْمَفَاعِيلِ عَلَى بَعْضٍ آخَرَ، وَلَا ضَيْرَ فِيهِ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُمَا مَعًا مَفْعُولَيْنِ مُطْلَقَيْنِ أَوْ مَفْعُولَيْنِ لِأَجْلِهِمَا، وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُهُمْ (طَعْناً فِي الدِّينِ) ، لِأَنَّهُمْ أَضْمَرُوا فِي كَلَامِهِمْ قَصْدًا خَبِيثًا فَكَانُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمْ، وَمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ حَدِيثِي الْعَهْدِ بِالْإِيمَانِ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ رَسُولًا لَعَلِمَ مَا أَرَدْنَا بِقَوْلِنَا، فَلِذَلِكَ فَضَحَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَنَظَائِرِهَا.