للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ عَمَلَ السُّوءِ أُرِيدَ بِهِ عَمَلُ السُّوءِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ الِاعْتِدَاءُ عَلَى حُقُوقِهِمْ، وَأَنَّ ظُلْمَ النَّفْسِ هُوَ الْمَعَاصِي الرَّاجِعَةِ إِلَى مُخَالَفَةِ الْمَرْءِ فِي أَحْوَالِهِ الْخَاصَّةِ مَا أُمِرَ بِهِ أَوْ نُهِيَ عَنْهُ.

وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِغْفَارِ التَّوْبَةُ وَطَلَبُ الْعَفْوِ مِنَ اللَّهِ عَمَّا مَضَى مِنَ الذُّنُوبِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَمَعْنَى يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً

يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ، فَاسْتُعِيرَ فِعْلُ يَجِدِ

لِلتَّحَقُّقِ لِأَنَّ فِعْلَ وَجَدَ حَقِيقَتُهُ الظَّفَرُ بِالشَّيْءِ وَمُشَاهَدَتُهُ، فَأُطْلِقَ عَلَى تَحْقِيقِ الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ.

وَمَعْنَى غَفُوراً رَحِيماً

شَدِيدَ الْغُفْرَانِ وَشَدِيدَ الرَّحْمَةِ وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ الْعُمُومِ وَالتَّعْجِيلِ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى يَجِدِ اللَّهَ غَافِرًا لَهُ رَاحِمًا لَهُ، لِأَنَّهُ عَامُّ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَحَدٌ اسْتَغْفَرَهُ وَتَابَ إِلَيْهِ، وَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ شُمُولُ مَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ زَمَنًا، فَكَانَتْ صِيغَةُ غَفُوراً رَحِيماً

مَعَ يَجِدِ

دَالَّةً عَلَى الْقَبُولِ مِنْ كُلِّ تَائِبٍ بِفَضْلِ اللَّهِ.

وَذِكْرُ الْخَطِيئَةِ وَالْإِثْمِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ، فَالْمُرَادُ بِالْخَطِيئَةِ الْمَعْصِيَةُ الصَّغِيرَةُ، وَالْمُرَادُ بِالْإِثْمِ الْكَبِيرَةُ.

وَالرَّمْيُ حَقِيقَتُهُ قَذْفُ شَيْءٍ مِنَ الْيَدِ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى نِسْبَةِ خَبَرٍ أَوْ وَصْفٍ لِصَاحِبِهِ بِالْحَقِّ أَوِ الْبَاطِلِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي نِسْبَةِ غَيْرِ الْوَاقِعِ، وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ «رَمَتْنِي بِدَائِهَا وَانْسَلَّتْ» وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ [النُّور: ٤] وَكَذَلِكَ هُوَ هُنَا، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْقَذْفُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا.

وَمَعْنَى يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً

يَنْسُبُهُ إِلَيْهِ وَيَحْتَالُ لِتَرْوِيجِ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ يَنْزِعُ ذَلِكَ الْإِثْمَ عَنْ

نَفْسِهِ وَيَرْمِي بِهِ الْبَرِيءَ. وَالْبُهْتَانُ: الْكَذِبُ الْفَاحِشُ. وَجُعِلَ الرَّمْيُ بِالْخَطِيئَةِ وَبِالْإِثْمِ مَرْتَبَةً وَاحِدَةً فِي كَوْنِ ذَلِكَ إِثْمًا مُبِينًا: لِأَنَّ رَمْيَ الْبَرِيءِ بِالْجَرِيمَةِ فِي ذَاتِهِ كَبِيرَةٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاعْتِدَاءِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ. وَدَلَّ عَلَى عِظَمِ هَذَا الْبُهْتَانِ بِقَوْلِهِ: احْتَمَلَ

تَمْثِيلًا لِحَالِ فَاعِلِهِ بِحَالِ عَنَاءِ الْحَامِلِ ثِقْلًا. وَالْمُبِينُ الَّذِي يَدُلُّ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى أَنَّهُ إِثْمٌ، أَيْ إِثْمًا ظَاهِرًا لَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِهِ إِثْمًا.

وَقَوْلُهُ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ

عُطِفَ عَلَى وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [النِّسَاء: ١٠٥] .