للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُرَادُ بِالْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ هُنَا نِعْمَةُ إِنْزَالِ الْكِتَابِ تَفْصِيلًا لِوُجُوهِ الْحَقِّ فِي الْحُكْمِ وَعِصْمَتِهِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْخَطَأِ فِيهِ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ هَمَّ طَائِفَةٍ مِنَ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أنفسهم بِأَن يضلّون الرَّسُولَ غَيْرُ وَاقِعٍ مِنْ أَصْلِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُضِلُّوهُ بِالْفِعْلِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عِلْمَهُمْ بِأَمَانَتِهِ يَزَعُهُمْ عَنْ مُحَاوَلَةِ تَرْوِيجِ الْبَاطِلِ عَلَيْهِ إِذْ قَدِ اشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ، مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِينٌ فَلَا يَسَعُهُمْ إِلَّا حِكَايَةُ الصِّدْقِ عِنْدَهُ، وَأَنَّ بَنِي ظَفَرٍ لَمَّا اشْتَكَوْا إِلَيْهِ مِنْ صَنِيعِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ وَعَمِّهِ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ أَصْحَابَهُمْ بَنِي أُبَيْرِقٍ عَلَى الْحَقِّ، أَوْ أَنَّ بَنِي أُبَيْرِقٍ لَمَّا شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ بِمَا صَنَعَهُ قَتَادَةُ كَانُوا مُوجِسِينَ خِيفَةً أَنْ يَطَّلِعَ اللَّهُ رَسُوله عَلَى جَلِيَّةِ الْأَمْرِ، فَكَانَ مَا حَاوَلُوهُ مِنْ تَضْلِيلِ الرَّسُولِ طَمَعًا لَا هَمًّا، لِأَنَّ الْهَمَّ هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ وَالثِّقَةُ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ انْتِفَاءُ هَمِّهِمْ تَضْلِيلَهُ فَضْلًا وَرَحْمَةً، لِدَلَالَتِهِ عَلَى وَقَارِهِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، وَذَلِكَ فَضْلٌ عَظِيمٌ.

وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الِانْتِفَاءِ: إِنَّ الْمُرَادَ انْتِفَاءُ أَثَرِهِ، أَيْ لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ لَضَلَلْتَ بِهَمِّهِمْ أَنْ يُضِلُّوكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَصَمَكَ عَنِ الضَّلَالِ، فَيَكُونُ كِنَايَةً. وَفِي هَذَا التَّفْسِيرِ بُعْدٌ مِنْ جَانِبِ نَظْمِ الْكَلَامِ وَمِنْ جَانِبِ الْمَعْنَى.

وَمَعْنَى: وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ

أَنَّهُمْ لَوْ هَمُّوا بِذَلِكَ لَكَانَ الضلال لَا حَقًا بِهِمْ دُونَكَ، أَيْ يَكُونُونَ قَدْ حَاوَلُوا تَرْوِيجَ الْبَاطِلِ وَاسْتِغْفَالَ الرَّسُولِ، فَحَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالُ بِذَلِكَ، ثُمَّ لَا يَجِدُونَكَ مُصْغِيًا لِضَلَالِهِمْ، وَ (مِنْ)

زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ. وشَيْءٍ

أَصْلُهُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِقَوْلِهِ يَضُرُّونَكَ

أَيْ شَيْئًا مِنَ الضُّرِّ، وَجُرَّ لِأَجْلِ حَرْفِ الْجَرِّ الزَّائِدِ.

وَجُمْلَةُ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ

عَطْفٌ عَلَى وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ

. وَمَوْقِعُهَا لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ

وَلِذَلِكَ خَتَمَهَا

بِقَوْلِهِ: وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً

، فَهُوَ مِثْلُ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ. وَالْكتاب:

وَالْقُرْآن. وَالْحكمَة: النُّبُوءَةَ. وَتَعْلِيمُهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ هُوَ مَا زَادَ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مِنَ الْعِلْمِ الْوَارِدِ فِي السُّنَّةِ والإنباء بالمغيّبات.