للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْحِكَايَةِ: فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الثَّنَاء عَلَيْهِ وَالْإِيمَان إِلَى أَنَّ الَّذِينَ يَتَبَجَّحُونَ بِقَتْلِهِ أَحْرِيَاءُ بِمَا رَتَّبَ لَهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ ذَلِكَ، فَيَكُونُ نَصْبُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَى الْمَدْحِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمَحْكِيِّ: فوصفهم إيّاه مَقْصُود مِنْهُ التَّهَكُّمَ، كَقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الْحجر: ٦] وَقَوْلِ أَهْلِ مَدْيَنَ لِشُعَيْبٍ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا مَا نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود: ٨٧] فَيَكُونُ نَصْبُ «رَسُولِ اللَّهِ» عَلَى النَّعْتِ لِلْمَسِيحِ.

وَقَوْلُهُ وَما قَتَلُوهُ الْخَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِيهِ لِلْحَالِ، أَيْ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ فِي حَالِ أَنَّهُمْ مَا قَتَلُوهُ، وَلَيْسَ خَبَرًا عَنْ نَفْيِ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرًا لَاقْتَضَى الْحَالُ تَأْكِيدَهُ بِمُؤَكِّدَاتٍ قَوِيَّةٍ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ حَالًا مِنْ فَاعِلِ الْقَوْلِ الْمَعْطُوفِ عَلَى أَسْبَابِ لَعْنِهِمْ وَمُؤَاخَذَتِهِمْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَسْبَابُ مُفِيدَةً ثُبُوتَ كَذِبِهِمْ، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهُ خَبَرًا مَعْطُوفًا عَلَى الْجُمَلِ الْمُخْبَرِ بِهَا عَنْهُمْ، وَيَكُونُ تَجْرِيدُهُ مِنَ الْمُؤَكِّدَاتِ: إِمَّا لِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَإِمَّا لِاعْتِبَارِ هَذَا الْخَبَرِ غَنِيًّا عَنِ التَّأْكِيدِ، فَيَكُونُ تَرْكُ التَّأْكِيدِ تَخْرِيجًا عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ لَمْ يُتَلَقَّ إِلَّا مِنَ اللَّهِ الْعَالِمِ بِخَفِيَّاتِ الْأُمُورِ فَكَانَ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُؤَكَّدَ.

وَعَطَفَ وَما صَلَبُوهُ لِأَنَّ الصَّلْبَ قَدْ يَكُونُ دُونَ الْقَتْلِ، فَقَدْ كَانُوا رُبَّمَا صَلَبُوا

الْجَانِيَ تَعْذِيبًا لَهُ ثُمَّ عَفَوْا عَنْهُ، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ...

أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا [الْمَائِدَة: ٣٣] . وَالْمَشْهُورُ فِي الِاسْتِعْمَالِ: أَنَّ الصَّلْبَ هُوَ أَنْ يُوثَقَ الْمَعْدُودُ لِلْقَتْلِ عَلَى خَشَبَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ التَّحَرُّكَ ثُمَّ يُطْعَنُ بِالرُّمْحِ أَوْ يُرْمَى بِسَهْمٍ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى صُلِبَ ثُمَّ طُعِنَ بِرُمْحٍ فِي قَلْبِهِ.

وَجُمْلَةُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ اسْتِدْرَاكٌ، وَالْمُسْتَدْرَكُ هُوَ مَا أَفَادَهُ وَما قَتَلُوهُ مِنْ كَوْنِ هَذَا الْقَوْلِ لَا شُبْهَةَ فِيهِ. وَأَنَّهُ اخْتِلَاقٌ مَحْضٌ، فَبَيَّنَ بِالِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ أَصْلَ ظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ أَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، وَهِيَ شُبْهَةٌ أَوْهَمَتِ الْيَهُودَ