وَقَدْ سَمَّى النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِآيَةِ الصَّيْفِ، وَعُرِفَتْ بِذَلِكَ، كَمَا عُرِفَتْ آيَةُ الْكَلَالَةِ الَّتِي فِي أَوَّلِ السُّورَةِ بِآيَةِ الشِّتَاءِ، وَهَذَا يَدُلُّنَا عَلَى أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ نَزَلَتْ فِي مُدَّةٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِنَ الشِّتَاءِ إِلَى الصَّيْفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي افْتِتَاحِ السُّورَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْكَلَالَةِ نَزَلَتْ فِي طَرِيقِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِأَنَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ كَانَتْ فِي زَمَنِ الْبَرْدِ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ غَزْوَةَ تَبُوكَ وَقَعَتْ فِي وَقْتِ الْحَرِّ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ، وَالنَّاسُ يُحِبُّونَ الْمَقَامَ فِي ثِمَارِهِمْ وَظِلَالِهِمْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ غَزْوَةُ تَبُوكَ فِي نَحْوِ شَهْرِ أُغُسْطُسَ أَوِ اشْتَنْبِرَ وَهُوَ وَقْتٌ طَيِّبُ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ، وَكَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَكَانَتْ فِي رَجَبٍ وَنَزَلَ فِيهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ [التَّوْبَة: ٨١] . ثُمَّ كَانَتْ حَجَّةُ أَبِي بَكْرٍ فِي ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ، سَنَةِ تِسْعٍ، وَذَلِكَ يُوَافِقُ دِجَنْبِرَ. وَكَانَ حَجُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ عَشْرٍ فَيُوَافِقُ نَحْوَ شَهْرِ دِجَنْبِرَ أَيْضًا.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: «ثَلَاثٌ لَوْ بَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: الْجَدُّ. وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابُ الرِّبَا» . وَفِي رِوَايَةٍ وَالْخِلَافَةُ. وَخَطَبَ أَيْضًا فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي مَا أَدَعُ بَعْدِي شَيْئًا هُوَ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَمْرِ الْكَلَالَةِ. وَقَالَ فِي مَجْمَعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَأَقْضِيَنَّ فِي الْكَلَالَةِ قَضَاءً تَتَحَدَّثُ بِهِ النِّسَاءُ فِي خُدُورِهَا. وَأَنَّهُ كَتَبَ كِتَابًا فِي ذَلِكَ فَمَكَثَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ، فَلَمَّا طُعِنَ دَعَا بِالْكِتَابِ فَمَحَاهُ. وَلَيْسَ تَحَيُّرُ عُمَرَ فِي أَمْرِ الْكَلَالَةِ بِتَحَيُّرٍ فِي فَهْمِ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَلَكِنَّهُ فِي انْدِرَاجِ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْقُرْآنُ
تَحْتَ مَا ذَكَرَهُ بِالْقِيَاسِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقُرْآنُ الْكَلَالَةَ فِي أَرْبَعِ آيَاتٍ: آيَتَيْ هَذِهِ السُّورَةِ الْمَذْكُورِ فِيهَا لَفْظُ الْكَلَالَةِ، وَآيَةٍ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النِّسَاء: ١١] . وَآيَةِ آخِرِ الْأَنْفَالِ [٧٥] وَهِي قَوْله: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ عِنْدَ مَنْ رَأَى تَوَارُثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ فَرِيضَةٍ لَيْسَ فِيهَا وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ فَهِيَ كَلَالَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، فَأَمَّا الْفَرِيضَةُ الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute